مع أول صاروخ أطلقته حماس تجاه الاحتلال في الأحداث الأخيرة، ترددت الأسئلة حول ما إن كانت تلك الخطوة في صالح الفلسطينيين. وبعيدًا عن الحديث حول “التعاطف الدولي”، كان البعض الآخر يردد أسئلة حول موازين القوى العسكرية بين حماس وإسرائيل، وبالتالي عن قيمة الثمن الذي سيدفعه أهل غزة مقارنة بالنجاح الذي يمكن للمقاومة أن تحققه. لا يحاول هذا المقال الإجابة المباشرة على هذا السؤال، لكنه يقدم للقارئ نبذة عن الإمكانات العسكرية لكل من حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، كخطوة مبدئية لتصور الصراع وموازين القوى. فكيف يجب أن نفهم الحروب؟ وما هي استراتيجيات حماس وإسرائيل في حربهما؟ وكيف يدير كلٌّ منهما الحرب على المستوى العملياتي؟ وذلك في الفترة منذ سيطرة حماس على قطاع غزة وحتى الآن.
نحو فهم أدق للحروب: مستويات الحرب
في عموم المذاهب العسكرية والأدبيات الاستراتيجية تُقسّم الحرب لأربع مستويات متداخلة، وهي من الأعلى للأدنى: السياسي والاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي.(1) يتطلب النصر قدرا من البراعة في كل مستوى مع أهمية نسبية لكل واحد على حدة، والتناغم والتنسيق بين هذه المستويات.(2)يركز مقالنا على المستويين الوسيطين: الاستراتيجي والعملياتي. تكمن أهمية المستوى الاستراتيجي في كونه جسرًا بين السياسي والعسكري. (3) فالمستوى الاستراتيجي يُعنى بأسئلة من نوع: هل تخدم أدوات القوة -العسكرية وغير العسكرية- الهدف السياسي بشكل صحيح أو لا؟ هل الهدف السياسي قابل للتحقق أو لا؟ ثم هل الطرق والوسائل كافية؟ أما المستوى العملياتي فيتعلق بتحقيق الغرض والهدف العسكري من القتال، فيتناول مسائل مثل جاهزية القوات وخطط الاستعداد وإدارة القتال الفعلي ونقطة الذروة العسكرية.
استراتيجية جيش الاحتلال: جز العشب
تبنى جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه حماس ما يسمى باستراتيجية جز العشب، التي تحاول تقليم القدرات والكفاءات للخصم كل فترة معينة وإضعافه عن طريق عملية واسعة النطاق، مما يوفر الآتي:
1- استنزاف الخصم في دوامة البناء والدمار،
2- تحقيق قدر من الردع بحيث لا يقدم الخصم على خطوات عسكرية فوق سقف معين وإلا سيتعرض للألم، هو والبيئة الحاضنة له.
تنبع هذه الاستراتيجية من تصور الاحتلال للصراع مع العرب كصراع طويل الأمد، وللصراع مع الفواعل ما دون الدولة كحماس كصراع يصعب حسمه عسكريًا وفي وقت قصير. هناك عنصر آخر في هذه الاستراتيجية وهو الإجراءات الوقائية مثل تدمير وإبطال خطوط توريد الأسلحة المتطورة لحماس، بجانب العمليات السرية ضد شبكات الاستخبارات والدعم اللوجيستي التابعة لحماس من الخارج، وكلها إجراءات لا تعترف بها إسرائيل عادة.(4)
جيش الاحتلال والمستوى العملياتي: الجاهزية
يمكننا تناول المستوى العملياتي في إطارين: الجاهزية العسكرية والأداء خلال القتال الفعلي. فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد كانت عملية بناء ميزانية الجيش وإدارتها على المستوى الوطني مليئة بالمشكلات والعيوب على جميع المستويات، وفي افتقار لكل من الإدارة الشاملة وبناء القوات على المدى الطويل، مع الانغماس في الحلول الترقيعية المرتبطة بالمشكلات الآنية.(5) لكن هناك توجها يرى أن النهج الحالي لبناء القوات أكثر مرونة، إذ يعتمد على ما لدى العدو من قدرات وليس على السيناريوهات المحتملة، وهو الخيار الأمثل في البيئة الحالية.(6)
أيضا شهدت عملية بناء القوة العسكرية تراجعًا لدور الأركان، وأصبح الأمر خاضعا لإدارة التخطيط بشكل أساسي(7) ما أدى لنتائج سلبية إذ حدثت عملية الاستعداد بمعزل عن التوجه الاستراتيجي المناسب. نتيجة لذلك اكتسب الجيش قدرات تقنية عالية، ولكن على حساب العامل البشري.(8) بمعنى تطور أسلحة القتال ونظم الاستطلاع والمراقبة وأدوات القيادة والسيطرة على حساب الروح المعنوية والقدرة الفعلية على القتال واستغلال هذه الأدوات بالشكل الأمثل وتطوير المذاهب العسكرية بما يتناسب مع سياقات التهديد.
منذ 2015 يحاول الجيش إصلاح هذه المشكلات، حيث ازداد الدور المعطى للقوات البرية مع تطوير القدرة على الخداع والمناورة وزيادة جانب الفكر، وتطوير المذهب العسكري بجانب التكنولوجيا والعودة الجزئية لدور الأركان.(9) إلا أن المشكلات ما تزال قائمة لأسباب متأصلة في الثقافة الاسرائيلية العسكرية بشكل عام، ولأسباب أخرى تتعلق بطابع الصراع غير المتماثل. حيث تركز الحكومات في هذه الحالات على القوة الجوية (والعمليات المخابراتية اللازمة له) لكونه نشاطا بعيدا عن أعين الجمهور، وقليل المخاطر على حياة المقاتلين، ويمكن استغلال فارق القوة فيه بشكل أكبر، بالإضافة إلى سهولة الجهد اللوجستي المطلوب له.(10)
جيش الاحتلال والمستوى العملياتي: الأداء
أمّا عن القتال الفعلي، فهناك مسرحان للعمليات: الداخل الإسرائيلي وغزة. في المسرح الأول تحاول إسرائيل منع الصواريخ باستخدام القبة الحديدية وغيرها من وسائل الدفاع النشط، بجانب تدريب الجنود على الانتشار والعثور على غطاء أينما كانوا. وقد كان نظام الدفاع المدني (الدفاع السلبي) الإسرائيلي مهمًا في الحد من الإصابات بتقديم الإرشادات حول كيفية التصرف عند التعرض للهجوم، والتحذير من الهجوم وتوفير المأوى، إلى جانب تدشين التحصينات في المخيمات ومناطق التجمع. لكن لن يكون هناك ما يكفي من المخابئ لحماية جميع جنود الاحتياط، خاصة عندما يتجمع المئات أو حتى الآلاف منهم في منطقة واحدة. لذلك، وجب توفير العربات المدرعة والتحصينات الميدانية مثل الخنادق، بالإضافة إلى ارتداء الخوذات والدروع الواقية من الرصاص في جميع الأوقات.(11) أخيرا، تعمل أجهزة الاستخبارت، بالتعاون مع الأسوار الأمنية والدوريات والمراقبة، على كشف وإفشال محاولات تسلل القوات الخاصة لحماس عبر الأنفاق الهجومية.
أما في غزة، فيحاول جيش الدفاع تقديم المساهمة العسكرية لخدمة استراتيجية جز العشب ضمن السياق المحدد. بالتالي قد يقتصر الأمر على عمليات اغتيال القادة وكوادر الإنتاج النوعي، مع تحييد منصات الصواريخ بالقدر الممكن وضمن الإطار المطلوب، بجانب تحقيق إدماء للإرادة الشعبية عن طريق القصف والتدمير. يمكن أيضًا أن يتطور الأمر لعملية عسكرية مشتركة تتقدم فيها القوات بريًّا لتحقيق أهداف محدودة مثل هدم الأنفاق الهجومية أو تدمير منصات الصواريخ بشكل أكبر مما قد يتمكن سلاح الجو من تحقيقه. في حالة التقدم البري تلك تسعى إسرائيل لتحقيق نصر سريع باستخدام أقصى قوة في فترة زمنية قصيرة معتمدة على تفوقها الهائل في النيران وذلك لتقليل الخسائر،(12) وتجنب الضغط الدولي ما أمكن.
تتحمل القوات الآلية والمدرّعة عبء الهجوم البري. تتألف رأس الحربة من وحدات المشاة النخبة مثل جولاني واللواء 551، حيث يكون التحرك على الأقدام وفي الناقلات المدرعة (APCs) مثل (Namer) شديدة التحصين أو المركبات الأقل كفاءة مثل (M-113)، ويكون المعيار في اختيار ذلك شدة القتال وخطورته وطبيعة المهمة. كما يكون لسلاح المهندسين دور قوي في تفجير الأنفاق وإزالة العوائق والأفخاخ الناسفة. تساهم القوات الخاصة أيضًا، مثل لواء الكوماندوز 89 ووحدات الاستطلاع المختلفة، في جمع المعلومات الاستخبارية، والاستيلاء على المواقع الحيوية، وإجراء المداهمات. يكمن الدور الحاسم للقصف الجوي-الأرضي في التغلب على المقاومة الشديدة، وتدمير المواقع المضادة للدبابات، وقمع نيران المدفعية مثل قذائف الهاون. يمكن للقوات المحمولة جوًا أن تدعم الهجوم من خلال الاستيلاء على المواقع الرئيسية وتأمينها مثل مفترق الطرق والجسور. وتساعد البحرية الإسرائيلية في الغالب عن طريق القصف من البحر، ونقل المعلومات، وفرض الحصار.(13)
استراتيجية حماس: حرب العصابات وتوازن الرعب
تبنت حماس خيارًا عامًا وهو المقاومة، وحاولت في المراحل المختلفة التحرك ضمن هذا الإطار بالشكل الذي يتراءى لها معتبرة، بشكل صحيح، الأرض المحتلة هي مركز الثقل وحرب العصابات كنهج استراتيجي وعملياتي.
لا يعني هذا أنها تحركت بشكل صحيح دائما، فقد كان لسيطرة الحركة على قطاع غزة مشكلات استراتيجية إذ تم عزل الحركة عن عمقها الاستراتيجي في الضفة وحرمانها المبادرة التي هي عامل أساسي في استراتيجية حرب العصابات،(14) حيث أن تحركها بات مكشوفا والتصعيد من طرفها قد يجلب الدمار على البيئة الحاضنة لها، مما ساهم في تحقيق إسرائيل للردع المؤقت، وليس الدائم بالتأكيد. بجانب ذلك تحملت الحركة مسؤولية الإعاشة والأمن وغير ذلك من متطلبات الحوكمة مما زاد من أعبائها وإمكانية خفض رصيدها شعبيًّا.(15)
في هذا الإطار حاولت حماس بناء توازن الرعب، تعويضا لتفوق الخصم عسكريا، بحيث تعمل على تطوير قدراتها بهدف الوصول إلى العمق الإسرائيلي وتهديد الأمن والاقتصاد والرفاه، إلى جانب تعطيل الحياة اليومية لدى المستوطنين – وهي نقطة حساسة لدى إسرائيل. كما تعمل الحركة أيضا على تحدي الردع الإسرائيلي عبر محاولة الالتفاف على مسار التصعيد وشروطه وتحقيق نوع من الردع الإنكاري أمام الهجوم الإسرائيلي بتعزيز الدفاع السلبي (الأنفاق والتمويه) والنشط (قدرات الاشتباك). وفي جميع المحطات حاولت الحركة تحقيق “صورة الانتصار” حتى لو لم تدل النتائج العسكرية على ذلك بشكل دقيق، مما يعطيها الزخم ويعزز سرديتها وشرعيتها السياسية وبالتالي يوسع من القدرة الاستراتيجية على توفير أدوات القوة العسكرية والمساندة (استخبارات ولوجستيات وغيرها).
حماس والمستوى العملياتي: الجاهزية
فيما يتعلق بالبناء والجاهزية العسكريين، استفادت حماس بشكل كبير من الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وقيام الحركة بالسيطرة عليه بما فيه من موارد لشبه الدولة، بما في ذلك الموارد العسكرية والاستخبارية والبنية التحتية التي كانت تحت سيطرة فتح سابقا. استخدمت الحركة أيضًا التهريب من مصر والضفة الغربية سواء كان ذلك للحصول على سلاح فعلي أو أدوات الانتاج والتصنيع، خاصة المواد ثنائية الغرض التي يمكن استخدامها في تصنيع الأسلحة.
ضف إلى هذا تلقي كتائب القسام تدريبات ومساعدة كبيرة داخل غزة وخارجها. داخل القطاع، كان لدى حماس برنامج تدريبي منظم. كما قدم أفراد حماس المدربون في لبنان وسوريا وإيران إلى غزة لتقديم التدريب ومساعدات أخرى. أيضا كان تدريب مئات من قادة الوحدات المشاركة في هذه الأنشطة خارج غزة. وقد كان للتدريب والنصيحة من حزب الله وسوريا وإيران أهمية كبيرة، حيث لم يكن لدى حماس فرصة كبيرة لاكتساب خبرة قتالية حقيقية ضد الجيش الإسرائيلي. لذا، اعتمدت حماس بشكل كبير على فهم حزب الله للحرب مع إسرائيل.
أثبتت حماس قدرة على التعلم، حيث تدرس تجربتها في المعركة ومن ثم تطور الدروس وتدمجها في مذهبها القتالي وبناء القوات. وتحاول الحركة التقليل من شأن آثار الهجمات الإسرائيلية علنا، فلا تعترف بالخسائر أو الأخطاء، وتقدم صورة المنتصر، لكن داخليا، تنخرط في عملية تعلم جادة. وقد تضمنت التحسينات الرئيسية التي أجرتها حماس تعزيز مدى وأعداد الصواريخ والفن العملياتي في استخدامها، مع تحسين وتقوية الحماية لبنيتها التحتية العسكرية، وتطوير نظام الأنفاق الهجومية والدفاعية، بجانب زيادة فعالية وتماسك قواتها البرية.(16)
حماس والمستوى العملياتي: الأداء
تشن حماس الحرب ضد إسرائيل في نفس مسرحي العمليات، الداخل الإسرائيلي وغزة. وهي في ذلك تحاول خدمة استراتيجيتها في الهجوم النفسي وإظهار قدرة حماس على حمل الحرب لأعتاب الإسرائيليين، وتعزيز مصداقية حماس كحركة “مقاومة”. كما أن استمرار النيران سَتُظهر عجز الجيش الإسرائيلي. وتحاول حماس استخدام الأداة العسكرية لرسم صورة المنتصر من خلال القيام بعمل له أهمية تتجاوز العسكرية البحتة، مثل اختطاف الجنود، وتدمير الدبابات، وإسقاط الطائرات أو المروحيات مع تعجيز الهجوم الإسرائيلي ودفعه ما أمكن. ويمكننا الحديث عن أداء حماس العسكري على مستويين: الهجوم والدفاع.
أما الهجوم، ففي قلب تخطيط حماس الهجومي كان القصف الصاروخي والمدفعي هو الأداة الأساسية، بحيث يستخدم لشن ضربات متواصلة على أهداف إسرائيلية سواء كان ذلك الجيش أو المستوطنين. تُطلَق الصواريخ وفقًا لخطط محددة مسبقًا، بحيث يعرف كل قائد في كل يوم عدد الصواريخ التي ستُطلق، وإلى أين تُوجّه وفي أي وقت. تسمح هذه الطريقة اللامركزية لحماس بمواصلة إطلاق النار حتى تحت ضغط مكثف من قبل الجيش الإسرائيلي. (17)
شكلت الأنفاق الهجومية ثاني أكبر أدوات حماس الهجومية. صُمّمت هذه الأنفاق للسماح لفرق الهجوم باختراق الدفاعات الحدودية الإسرائيلية دون الكشف عنها ومهاجمة الأهداف داخل إسرائيل، متمتعين بعنصر المفاجأة. تُعد فرق حماس الهجومية صغيرة نسبيًا لكنها مدججة بالسلاح، وتحمل قذائف آر بي جي والمدافع الرشاشة الخفيفة والبنادق الهجومية والقنابل اليدوية. وقد يرتدي أفراد حماس في بعض الحالات أزياء الجيش الإسرائيلي لإرباك جنود الجيش الإسرائيلي. كما احتوت الأنفاق في بعض الأحيان على معدات لأسر الرهائن (كأصفاد بلاستيكية، ومواد تخدير).(18)
أخيرا تستخدم الذراع البحرية والجوية لحماس أنواعا مختلفة من القدرات، لكن بفاعلية أقل نظرا لصعوبة التطوير وفارق الكفاءة الكبير لصالح الجيش الإسرائيلي. تحتوي وحدة الكوماندوز البحري التابعة لحماس عشرات من مجموعات الغطس، من بين الأكثر تقدما في العالم، مما يمنح الضفادع القدرة على الغوص في أعماق مختلفة لمدة تصل إلى أربع ساعات. كما جُهزّت الوحدة بأدوات تزيد من مسافة الغوص وتمكنهم من الوصول إلى الساحل الإسرائيلي بسرعة أكبر، مما يوفر للغواص قدرا كافيا من القوة للقتال.
ويُتوقع أن تشمل الأهداف، بجانب العمليات العسكرية والأمنية، تهديد الملاحة والتجارة بقصف وتهديد السفن عن طريق الإنزال والقصف من البر في المنطقة الواقعة بين عسقلان وأسدود. توظف حماس أيضًا السلاح الجوي باستخدام الطائرات المسيرة القادرة على التصوير وكذلك الهجومية الانتحارية، إلى جانب الطيران الشراعي حيث تم إرسال قوة خاصة إلى ماليزيا للتدريب على ذلك استعدادا لشن هجمات على الداخل المحتل إسرائيليا.(19)
أما الدفاع، فتحاول حماس دفاعيا شن العمليات لمقاومة الاختراق البري الإسرائيلي في غزة والقيام بهجمات مضادة على القوات الإسرائيلية داخل غزة وتكبيدها خسائر في المعدات والأرواح. كما تُستخدم العمليات الدفاعية كدرع للصواريخ وقذائف الهاون لاستدامة عملها وتأثيرها على الداخل المحتل إسرائيليا.(20)
تُعد الأنفاق عنصرا أساسيا في الدفاع بجانب ما ذكرناه من دورها الهجومي. فقد قدمت الأنفاق الغطاء للبنية التحتية والقوات والأسلحة والذخيرة والقادة- مما وفر القدرة على القيادة والسيطرة بجانب اتباع النهج اللامركزي الذي عزز من فرص الأداء. وقد كانت الأنفاق جزءًا لا يتجزأ من العمليات الصاروخية، مما زاد من صعوبة عثور إسرائيل على مواقع الإطلاق، وإتاحة الفرصة لفرق الإطلاق للهروب من الضربات الإسرائيلية. أتاحت الأنفاق أيضًا الحركة في ساحة المعركة والقتال من مواقع محمية والمناورات التكتيكية الدفاعية.(21)
كانت لتضاريس غزة مزايا وعيوب بالنسبة إلى حماس. الميزة الرئيسية كانت المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، والتي وفرت غطاء لعمليات الحركة وقواتها، ومكّنت حماس من شن حرب المدن أو الحرب الحضرية. لكن كان لغزة العديد من العيوب الجوهرية أيضًا. أكبرها هي صغر مساحة القطاع مما يستبعد أي إمكانية حقيقية للدفاع في العمق أو مبادلة المسافة بالزمن. علاوة على ذلك، فقد غطت القوات الجوية والمدفعية والاستخباراتية الإسرائيلية المنطقة بأكملها من داخل إسرائيل. كما أنه لا توجد عوائق طبيعية قوية على طول الحدود أو داخل غزة، باستثناء مناطق البناء. حاولت حماس محاكاة أسلوب الحرب الذي يتبعه حزب الله، والذي تمّ تطويره على أرض مختلفة تمامًا، وثبت أنه من الصعب على حماس التغلب على هذه العيوب.(22)
كان الفن العملياتي الدفاعي لحماس دمجا بين القتال القريب وقصف الدبابات والدروع وعمليات التفخيخ وتعزيز الأنفاق من قبل قوات المهندسين بجانب عمليات القنص وبعض قدرات الدفاع الجوي. وقد اشتملت المعارك القريبة على اشتباكات نيران مباشرة بين حماس والقوات البرية الإسرائيلية، مع استخدام حماس لقذائف آر بي جي والمدافع الرشاشة والأسلحة الصغيرة. استخدمت حماس قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات لدعم هذه الاشتباكات. بجانب ذلك كان هناك استهداف للدبابات والدروع من مسافات بعيدة. كما تم استخدام قوات المهندسين لتقليص قدرة الجيش الإسرائيلي على المناورة، وزيادة الخسائر الإسرائيلية، والسماح لقوات حماس القتالية بالعمل تكتيكيًا ضد وحدات الجيش الإسرائيلي حتى في مواجهة ميزة القوة النارية لإسرائيل.
خاتمة
الحرب صراع بين طرفين. كل طرف يحاول تحسين نقاط ضعفه وشن الهجوم بما يتناسب مع وضعه السياسي والإجراءات التي يتخذها الخصم. لذلك لابد من التأمل باستمرار في المستويات الثلاثة (السياسي والاستراتيجي والعملياتي) لخلق تصور دقيق لما يحدث. فلا يدفعنا التأمل في السياق السياسي إلى تحويل الحرب لميتافيزيقا، ولا يدفعنا الانخراط في التفاصيل العملياتية أن نفصل الحرب عن معناها وهدفها السياسي الذي قامت لأجله. في النهاية تبقى هذه مجرد خطوة لإثراء المحتوى العربي الذي يتناول النزاعات والحروب بكثير من القصور، كما أننا حاولنا رسم المشهد بشكل عام قد يحتاجه القارئ العربي لفهم المشهد الحالي وتطوراته المستقبلية.
المصادر
- JWP 0-01, British Defense Doctrine (Fifth edition). 2014, pp.19-21; and Colin S. Gray, The Strategy Bridge: Theory for Practice. Oxford University Press, 2011, pp.43-44
- Mohamed Boraik, Strategic logic and ability revisiting the Arab Israeli wars. PhD Thesis in Politics, UNIVERSITY OF READING, 2018, p.62; وأيضا Colin S. Gray, Modern Strategy Oxford University Press, 1999, pp.23-26
- Colin S. Gray, The Strategy Bridge: Theory for Practice. Oxford University Press, 2011
- Efraim Inbar- Journal of Strategic Studies, Taylor & Francis, 2014, pp.65-76; the Washington post
- Gabi Siboni and Gal Perl Finkel, IDF Force Buildup since the Six Day War, The Institute for National Security Studies, 2018, p.9
- Begin-Sadat Center for Strategic Studies
- Gabi Siboni and Gal Perl Finkel, IDF Force Buildup since the Six Day War, The Institute for National Security Studies, 2018, p.9
- Gabi Siboni and Gal Perl Finkel, ibid, p.10
- Gabi Siboni and Gal Perl Finkel, ibid, pp.9-10
- Gabi Siboni and Gal Perl Finkel, ibid, pp.11
- E Eilam, Israel Journal of Foreign Affairs, – Taylor & Francis, 2016, p.5; Jeffrey White, The Combat Performance of Hamas in the Gaza War of 2014, CTC Sentinel, 2014, p.10
- E Eilam, Israel Journal of Foreign Affairs, – Taylor & Francis, 2016, p.6
- E Eilam, ibid, pp.6-7
- محمد بريك، الفضاء الاستراتيجي العربي وأزمة السيادة، قراءات في الاستراتيجية والفقه السياسي، 2020، ص: 28
- المصدر السابق.
- Yoram Cohen, Jeffrey White, 2009 Hamas in Combat: The Military Performance of the Palestinian Islamic Resistance Movement, The Washington Institute for Near East Policy, 2009 p.5; Kobi Michael and Omer Dostri, The Hamas Military Buildup, The Institute for National Security Studies, 2017, p.55; Jeffrey White, The Combat Performance of Hamas in the Gaza War of 2014, CTC Sentinel, 2014, p.9
- Jeffrey White, ibid, p.10
- Jeffrey White, ibid
- Kobi Michael and Omer Dostri, The Hamas Military Buildup, The Institute for National Security Studies, 2017, pp.53-55
- Jeffrey White, The Combat Performance of Hamas in the Gaza War of 2014, CTC Sentinel, 2014, p.11
- Jeffrey White ibid, pp.11-12
- Yoram Cohen, Jeffrey White, 2009 Hamas in Combat: The Military Performance of the Palestinian Islamic Resistance Movement, The Washington Institute for Near East Policy, 2009 p.10