يعتبر الإعلام حلقة الوصل بين صانع القرار والجمهور، وهو يتأثر ويؤثر في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعاني وسائل الإعلام في عالمنا الحديث من مشكلة التبعية للسلطة الحاكمة، من خلال الرقابة الشديدة التي تمارسها الأنظمة، إذ تشكل وسائل الإعلام الرأي العام من خلال سلسلة من التأثيرات، تمارسها على أفراد المجتمع، تنتهي بحشد رضاهم واتفاقهم على نقاط محددة حول قضايا معينة.
يؤثر الإعلام على عملية صنع القرار عبر أربعة مراحل: تحديد المشكلة، تحديد البدائل، اختيار المعلومات، تطبيق القرار، بحيث تعمل استراتيجية الإعلام على تقديم المعلومات المتناسقة في الاتجاه المؤثر في صنع القرار، أما العلاقة بين الرأي العام وصنع القرار السياسي فهي علاقة متبادلة، حيث يؤثر كلاهما في الآخر.
من العوامل المؤثرة في عملية صنع القرار السياسي نجد شخصية صانع القرار، التركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع، المنظومة الأمنية، الرأي العام، وأخيرا الإعلام الذي يشير إلى عمليتين، الأولى هي استخراج المعلومات والحصول عليها، وتعني الكيفية التي تصاغ بها هذه المعلومات وتبث للجمهور المستهدف، والثانية إلى أي مدى تكون هذه المعلومات موضوعية.
تقوم وسائل الإعلام بهاتين العمليتين، لذا فإنها تساهم في صناعة القرار، من خلال توفيرها المعلومات التي يحتاجها صناع القرار، كما تساهم في قبول أو رفض القرارات من طرف الرأي العام، إضافة إلى تعزيز الحوار بين الثقافات من خلال تبسيط الحوار بينهما، وتنمي الشعوب وتحفزها على التعاون والاتحاد.
إن دراسة تأثير وسائل الإعلام على صناعة القرار السياسي يقودنا في البداية إلى الاطلاع على دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام، ثم تحديد الوظائف التي تقدمها وسائل الإعلام لصناع القرار، ومن هذا المنطلق تتشكل الإشكالية حول مدى مساهمة وتحكم وسائل الإعلام في صناعة القرار السياسي.
وسائل الإعلام وتشكيل الرأي العام
اتفق الباحثون على أن تشكيل الرأي العام من طرف الإعلام يمر بعدة مراحل، إلا إن كلا منهم حدد تلك المراحل من وجهة نظره، وعلى العموم يتشكل الرأي العام وفق خمسة مراحل، بحيث يعتبر إدراك المشكلة هو المرحلة الأولى من مسلسل تشكيل الرأي العام من طرف وسائل الإعلام.
وهنا تمثل وسائل الإعلام الجماهيرية دورا هاما في الاهتمام بالمشكلة، ثم تليها مرحلة تعدد الآراء ومناقشة القضية، وظهور وجهات النظر المختلفة حول أسباب المشكلة ومسارها وحلولها، مع ربطها بمحيطها المجتمعي، ثم تأتي المرحلة الثالثة المتمثلة في تطور المناقشة بين الأفراد، لتصبح نقاشا بين القوى الاجتماعية والطبقية أو الفئوية.
ثم بعد ذلك تتضح الأفكار والرؤى حول الأبعاد والمفاهيم، وتتقارب وجهات النظر خاصة في نقاط معينة، لتمثل بذلك المرحلة الرابعة، أما آخر مرحلة فهي مرحلة الرضا والاتفاق، مع التوصل إلى الحلول الوسطية المناسبة، واستبعاد الآراء المتطرفة، وبالتالي يصبح هناك رأي معين تقبله الأغلبية.
كما تؤثر وسائل الإعلام على الرأي العام، خاصة في وقتنا الحالي مع تطور التكنولوجيا وانتشارها على نطاق واسع في المجتمع، حيث أصبح الإعلام نقطة الانطلاق للتوجيه وتبني المواقف تجاه الأنشطة المحلية أو الدولية، الاقتصادية أو الاجتماعية، السياسية أو الحربية، وغيرها من المجالات الأخرى.
وذلك من أجل حشد آراء الشارع، كما أن الاستخدام الفعال لآخر تقنيات الإعلام ضروري من أجل التحكم واللعب بالعواطف والسيطرة على العقول، والاعتماد على القنوات الفضائية في اتجاه استبدال الصورة باللغة، وهي توجهات عالمية أكثر من كونها محلية .
من الضروري أن نشير إلى علاقة الرأي العام بالظاهرة السياسية، بحيث أنه في عالمنا اليوم يملك كل فرد جزءا من السلطة تبعا لديمقراطية النظام السياسي القائم، فالسلطة خاضعة لتأثيرات الأفراد والجمهور ونقدهم، كما أن القائمين على السلطة لم يعد بإمكانهم اتخاذ الكثير من القرارات من دون موافقة على الأقل ضمنية.
أصبح الرأي العام ظاهرة لا يمكن تجاهلها من طرف السلطة الحاكمة، مثلها مثل أية ظاهرة أخرى، وتتحدد العلاقة بين الظاهرة السياسية وظاهرة الرأي العام من خلال مستويات دقيقة تشير إلى تأثير ذلك في السياسة الخارجية والداخلية.
فالمستوى الأول يتمثل في الرأي العام المحلي، ومشاكل السياسة القومية المرتبطة به، فإذا كان المجتمع متقدما ومهتما بمشاكل السياسة الخارجية ومعبرا عن رأيه العام حولها، فإن المجتمع المتخلف لا يهتم سوى بمشاكل السياسة الداخلية فقط.
ثم هناك الرأي العام المحلي والقومي، الذي يمكن استخدامه للتأثير على القوى السياسية الداخلية في مواجهتها لقرار سياسي خارجي، وهناك مستوى الرأي العام الدولي الذي نجح كقوة ضاغطة تحرك السياسة الخارجية محليا ودوليا.
و أخيرا هناك الرأي العام المحلي المرتبط بمستوى آخر من الرأي، له نفس المفاهيم وبالتالي تصبح ظاهرة الرأي العام تعبيرا عن مصالح طبقة معينة متجانسة ومتماسكة أكثر من الرأي القومي.
وسائل الإعلام وصنع القرار السياسي
منذ ظهور وسائل الإعلام، ارتبطت بالنخب الحاكمة واستخدمت للتأثير على الشعوب، وتصدير تصورات ونهوج وفق رغبة النخب الحاكمة، وبالتالي فوسائل الإعلام عند تغطيتها للأحداث تكون منحازة لسياسة الحكومة، وبالتالي تابعة لتلك السياسات ومنفذ لها.
ويطلق على العلم الذي يدرس الأنشطة التي يزاولها القائمون بالعملية الإعلامية بهدف تحقيق هدف سياسي بالإعلام السياسي، وتؤثر وسائل الإعلام في عملية التنشئة السياسية بدرجة كبيرة، حيث تؤثر معرفيا باعتبارها مصدرا للحصول على المعلومات، كما تؤثر عاطفيا على الأفراد، وتزيد اهتمامهم بالقضايا السياسية الدائرة في بيئتهم.
وأيضا هناك تأثير سلوكي يهدف للتعرف على العلاقة بين التعرض لوسائل الإعلام والمشاركة الفعلية في النشاط السياسي، إضافة لذلك تقوم وسائل الإعلام بتزويد عملية صنع القرار بتيار من المعلومات، والتي تمثل المدخلات الأساسية عن طريق توجيه الاهتمام بشكل انتقائي، إلى جوانب معينة في البيئة، وعندما تقوم وسائل الإعلام بهذه الوظيفة فهي ترشح وتبني مدخلات عملية صنع القرار.
وسائل الإعلام تبني أجندة المجتمع، أي أولويات اهتمامات الأفراد في المجتمع، وكذا أولويات اهتمامات صانعي القرار، إذ إنها تمارس دورا مزدوجا عند بنائها للمدخلات المرتبطة بالقرار الديمقراطي، بحيث تنقل مواقف الحاكم للمحكوم والمحكوم للحاكم، فهي تدعم حكم الأغلبية.
وبالتالي تنقل مواقف الجماهير إلى صانعي القرار، الأمر الذي يزيد من التفاعل بين صانعي القرار والجمهور، كما تقوم بتزويد دائرة المعلومات داخل الحكومة، وهي بذلك تساهم في توفير المعلومات داخل دوائر صنع القرار.
وترجع الرقابة والسيطرة الشديدة التي تمارسها الحكومات على وسائل الإعلام إلى كون الأخيرة لها تأثير واضح في صنع القرارات ووضع السياسات، في الدول الشيوعية وحتى الديمقراطية تخضع وسائل الإعلام وخاصة الإلكترونية لدرجة معينة من السيطرة.
محطات التلفزيون والصحف كلها تخضع للرقابة الحكومية، لأن لوسائل الإعلام تأثيرات متفاوتة على سلوك الأفراد، ويهدف الإعلام إلى التأثير في عملية صنع القرار وفق أربعة مراحل، حيث يبدأ بتحديد المشكلة التي من خلالها يدرك صانع القرار وجود تغييرات في بيئته، تستوجب التحرك لمعالجتها، ويقوم الإعلام بتقديم المعلومات المؤثرة التي تخلق إحساسا بقدوم تغيير في البيئة المحيطة.
ثم مرحلة تحديد البدائل التي تقدمها الاستراتيجية الإعلامية، من خلال طرح معلومات عن البدائل المتعددة للتأثير في القرار مباشرة، وعبر تكتيك يهدف لتقليص البدائل أمام صانع القرار.
ثالث مرحلة هي اختيار المعلومات بحيث تهدف الاستراتيجية الإعلامية إلى الربط بين البديل المرغوب وأنجع النتائج المتوقعة لكل بديل، وفي الأخير تطبيق القرار، بحيث تعمل استراتيجية الإعلام بناء على فهمها لأسلوب صانع القرار على تقديم المعلومات المتناسقة في الاتجاه المؤثر في صنع القرار.
بعد الحديث عن دور وسائل الإعلام في التأثير على صنع القرار السياسي، نشير إلى دور الرأي العام في صنع السياسة العامة، بحيث تعتبر العلاقة بينهما متبادلة، فالرأي العام يؤثر في السياسة العامة والعكس صحيح.
عندما يتم اتخاذ قرار سياسي معين، فإن هناك ميل نحو تقبله من طرف الرأي العام، ولكن عندما تصبح السياسة العامة أكثر تحديدا، فإن الرأي العام يبدأ بالتغيير عادة. إضافة لذلك فالتأثير على الرأي العام يكون سريعا في قضايا معينة، وقد يكون هامشيا في قضايا أخرى.
كما أن درجة اتفاق الجماعات فيما بينها لها تأثير معين في تلك العلاقة، ولكن في أغلب الحالات تؤثر الحكومات على الرأي العام بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى الاعتماد على وسائل الإعلام و الإجراءات الرسمية، فوسائل الإعلام تؤثر على صانعي القرار بحيث تقدم لهم وظائف رئيسية.
إذ إنها تمدهم بالمعلومات حول الأحداث والبيئة السياسية، كما تعكس اهتمامات الرأي العام من خلال نشر خِبرات الأفراد، وتوفر لصانعي القرار القنوات الضرورية لنقل سياساتهم وخططهم إلى الجمهور، فضلا عن تفسير الأحداث الدولية، إضافة لتوجيه الرأي العام نحو القضايا التي ترى الحكومة ضرورة توجيه الانتباه لها دون غيرها .
وفي الختام؛ نتوصل إلى فكرة أساسية، مفادها أن وسائل الإعلام لها دور محوري في تشكيل الثقافة السياسية لدى الجماهير، وبالتالي تزويدهم بالخبرات السياسية، التي يتشكل الرأي العام في المجتمع من خلالها، وتخلق تماسكا بين أفراده، وأيضا تشمل وسائل الإعلام أداة تقديم المعلومات لصانع القرار، حول ما يجري داخل بيئته، كما تمكن الأنظمة السياسية من التحكم وضبط الرأي العام، عبر ما تقدمه له من معلومات داخل إطار يحدده صانع القرار.
تعليقات علي هذا المقال