منذ أن تولى السيسي رأس السلطة في مصر عام ٢٠١٤، بدأت خطة ممنهجة لتقويض الإعلام، صحيح أن الإعلام نفسه ساعده على ذلك من خلال تأييده المطلق، إلا أنه في النهاية تمت السيطرة عليه سيطرةً كاملةً من خلال المخابرات العامة، عبر شركاتها المتعددة.
ويرى السيسي أن مساحة الحرية التي أعطاها مبارك للإعلام؛ هي السبب في الإطاحة به، لذا لم يتردد في تغيير المنظومة تغييرًا كاملًا، حتى تعمل تحت رعايته وفق توجهاته الرئيسية، سواءً كان هذا إعلاماً مرئياً، أو صحافة مقروءة.
السيسي وخطة الأذرع الإعلامية
تحدث أكثر من مصدر عن طبيعة تفكير السيسي، فقد كان يحلم دائماً بإعلام جمال عبد الناصر، الذي يركز تركيزًا رئيسيًا على دعم النظام وإظهاره في شكل جيد، ويقتنع السيسي تمام الاقتناع أن الشعبية الجارفة لنظام عبد الناصر؛ كان سببها الدعم الإعلامي المؤيد له على طول الخط، وكان السيسي يعتقد أن مثل هذا الاصطفاف، الذي يمكن أن يحققه الإعلام، يستطيع أن يساعده على تحقيق إنجازات استثنائية، تحقق نقلة كبيرة للبلاد، بعيداً عن أحاديث الديمقراطية التي لم يكن يراها أولوية[1].
لكن لم يتحدث عن مآلات هذا الإعلام، وكيف أطاح -هو نفسه- بالدولة، وأودى بها إلى الهاوية عام ١٩٦٧، لكنه ركز على توحيد الأصوات الداعمة للسلطة، بالإضافة إلى أنه يرى بنفسه قدرة الإعلام الموجه على تحريك الشارع، فقد كانت الأحداث التي أطاحت بالرئيس الراحل محمد مرسي والحشد الإعلامي ضده، مقنعة للسيسي في أن يستغله لصالحه.
وقد نجح السيسي في خلق هذا النظام الإعلامي الداعم للدولة في كل توجهاتها، بصوت واحد، وملكية واحدة للدولة، التي امتلكت زمام الأمور في قنوات التلفزيون، خاصة كانت أو عامة، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تعمق أكثر، وصولا إلى إنتاج الأفلام والمسلسلات تحت اسم الشركة المتحدة للإعلام.
وربما يفسر هذا رؤية يزيد صايغ أن السيطرة على الإعلام كانت لأغراض سياسية واقتصادية، إذ يرى أن الاستحواذ على وسائل الإعلام الخاصة مكّن المؤسسة العسكرية من استثمار رأس المال، وتوفير العمالة، والأجور الإضافية لكل من الضباط العاملين والمتقاعدين، الذين يجري دمجهم في وسائل الإعلام ويراقبون محتواها في آن واحد.
أما الصحف، فكان التعامل معها بصرامة شديدة، وصلت إلى عبثية بالغة غير متناهية، عبر عنها بكل وضوح تشابه العناوين اليومية، سواء كانت تلك الصحف قومية أو خاصة، إذ إن أحد المسؤولين في مكتب رئيس الجمهورية أنشأ مجموعة على تطبيق “واتساب”، تضم رؤساء تحرير كل الصحف، سواء كانت مستقلة أو قومية، ليتابع ويوجه ما تجري الكتابة عنه، ثم يبدأ نشره في الصحف متتاليا.
وتغير هذا المسؤول مؤخراً، فأصبح أحد الشباب الذين يعتمد عليهم السيسي في مكتبه، حيث يتولى -مباشرةً- بصلاحيات مفتوحة؛ متابعة الصحف وطبيعة ما يكتب فيها، فضلاً عن كون تلك الصحف أصبحت مملوكة للشركة المتحدة، التي أعطت الضوء الأخضر للضباط في السيطرة عليها، وتوجيه الأوامر إلى العاملين فيها مباشرة.
ويظهر هذا من خلال عدم تناول بعض القضايا التي تثار متتالية، مثل: الأحداث في سيناء، أو مطروح، وغيرها من المناطق الملتهبة في مصر، فضلا عن قضايا القتل التي يتورط بها ضباط شرطة أو جيش، وقضايا الفساد التي يتهم فيها مسؤولون كبار.
وكأن الإعلام الذي تكمن مهمته في استقصاء المعلومات وتتبعها، والتحدث فيما تسكت عنه الدولة، لا يراها إلا بعد صدور التوجيهات، مكتفيا باعتماد الرواية الرسمية، وتلك المواقف التي لا يراها الإعلام أو يتحدث عنها؛ تعبر بعمق عن طبيعة اليد المتحكمة في الإعلام.
وفقدت مصر بسبب تلك العلامات عشر درجات على مؤشر الحرية، وكانت هناك أحداث فاعلة أيضاً لها تأثير في هذا المؤشر، مثل: اقتحام نقابة الصحافيين، وحجب أكثر من ٦٠٠ موقع إلكتروني، وإغلاق العديد من الصحف والقنوات؛ ما جعل مصر توصف بواحدة من أكبر السجون للصحفيين في العالم.
إعلام السيسي وانتخابات الرئاسة
لا يتحدث الإعلام الذي بات ملكا لأجهزة الدولة عن الانتخابات الرئاسية سوى بأحاديث هامشية، لا تكاد تتناول أي تفاصيل بخصوص ما سيجري فيها، وهي حالة مختلفة تماما عما كان يحياه الإعلام في كافة الانتخابات السابقة، وآخرها عام ٢٠١٨، التي بدأ الترويج لها قبل موعد انطلاقها بفترة طويلة، عبر الدعاية للسيسي نفسه، ومحاولة إقناع المواطنين أن عليه إكمال مشروعاته التي بدأها؛ حتى تظهر آثارها على حياتهم اليومية، رقم مخالفة هذا الأمر للقوانين المنظمة للانتخابات، التي تلزم الإعلام بالتزام الحياد تجاه كافة المرشحين.
أما الآن، مع الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وبعد أن أثبتت كثير من مشروعات السيسي فشلها، فضلا عن تراكم الديون، وتعويم الجنيه، وتراجع قيمته إلى أقصى حد في التاريخ، لا يتحدث الإعلام بتلك النبرة، إذ إن هناك شريحة كبيرة من مؤيدي النظام انقلبوا عليه.
يبدو الإعلام كذلك منشغلاً بمناقشات أخرى، ترى الدولة أهميةً في الحديث عنها، لمحاولة امتصاص الغضب الشعبي، مثل أزمة الكهرباء التي يعاني منها ملايين المصريين، لذا لا يبدو أن الوقت ملائم للحديث عن انتخابات الرئاسة ومستقبلها.
بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي، فإن الوضع السياسي -هو الآخر- متأزم في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة؛ ما جعل من مستقبل الدولة ذاته غير واضح لقيادات الأجهزة السيادية أنفسهم، وإذ كانت الأمور تبدو كأن الدولة قد حسمت رأيها في ترشح السيسي مرة أخرى ودعم الجيش له، إلا أنه وفقاً لتقارير صحفية ومصادر مطلعة على ما يجري في الكواليس، فإن الأمور ليست على ما يرام بالقدر الكافي، وتبدو كأنها على صفيح ساخن، لأنه حتى مع حسم ترشح السيسي ما يزال الأمر مضطربا.
ربما هذا الاضطراب الشديد في الأوضاع السياسية داخل مطبخ الدولة المصرية، جعل من فكرة الإعلان عن الانتخابات الرئاسية في الوقت الحالي أمرا غير مناسب، لذ لم توجه إليهم الرسالة بعد، بالإضافة إلى أننا نلحظ أن بعض الرموز المحسوبة على السلطة مثل مصطفى بكري، يتحدث عن فكرة تقديم الانتخابات، ولا يعني هذا الأمر -على حد قوله- أن هناك أزمة داخل الدولة.
إذاً تنوي الدولة تغيير موعد الانتخابات الرئاسية، ربما لمفاجأة الرأي العام؛ كي لا تحدث أي تغيرات سياسية، وربما كذلك لأن الاقتصاد في مصر يعاني من أزمة تعويم جديد، إذ يشير الخبراء إلى أن قيمة الجنيه الحالية ليست القيمة الحقيقية، التي لا تُعجب -بطبيعة الحال- صندوق النقد الدولي، لذا ترى الدولة ضرورة تقديم الانتخابات؛ لاتخاذ إجراءات تقشفية وأكثر قسوة، ولا ترى الوقت مناسباً قبل الانتخابات لاتخاذ تلك الإجراءات، وتبدو التفسيرات مختلفة ومتغيرة، لكن الواقع يبرز أن هناك أزمة حقيقية تحياها الدولة المصرية في الوقت الراهن.
معضلة المرشح الجاد
في انتخابات ٢٠١٨ تم استضافة موسى مصطفى موسى، الذي ترشح لينقذ صورة مصر على حد تعبيره، وعلى حد شكر السيسي له أكثر من مرة، وتحدث معه الإعلام بجدية مفرطة، وكان حديث الإعلامي المؤيد أحمد موسى حول برنامجه الرئاسي، بحجة عرض الرأي الآخر، وتنفيذا لقاعدة المساواة بين المرشحين، لكن الاستضافة كانت في الحقيقة مسرحية هزلية.
ويبدو أن إقحام مرشحين هزلين أيضا في انتخابات ٢٠٢٤ غير محسوم حتى الآن، إذ أعلن عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد الموالي للسلطة ترشحه للانتخابات عبر وسائل إعلام المتحدة، إلا أنه اختفى تماما من المشهد بعد ذلك، بالتزامن مع التزام الإعلام الصمت تجاه الانتخابات.
وربما تفتق ذهن الدولة عن أن الخطة التي عملت عليها في ٢٠١٨ لم تعد تجدي نفعا، وأن الناس فهموا طبيعة تلك الأمور، بالإضافة إلى أن الإعلام نفسه وقع في أزمة؛ بسبب أحمد الطنطاوي، الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية بموقف جاد، ومن المعروف مواقف الطنطاوي المعارضة لنظام السيسي منذ أن كان عضوا في مجلس النواب.
ويختلف تعامل الإعلام المحسوب على النظام مع شخص الطنطاوي، الذي يواجه بالهجوم الدائم، والحديث عن عدم صلاحيته لأن يصبح نائبا في مجلس النواب؛ فضلا عن طموحه إلى خوض السباق الرئاسي، والفوز به.
ولا تكمن مشكلة النظام مع أحمد الطنطاوي في كونه مرشحا قويا أمام السيسي، لا سيما في ظل وجود أذرع الإعلام التي تدعم السيسي بقوة، فضلا عن حالة الاستبداد العسكري التي تعيشها مصر منذ ١٠ سنوات، ولكن مشكلة النظام معه: أنه وضعه في مأزق له علاقة بتنظيم الانتخابات الرئاسية، وكيفية التعامل مع المرشحين المنافسين له.
المصادر
[1] عن الرئيس وإعلامه.. ما جرى خلال 10 سنوات، موقع مدى مصر.
تعليقات علي هذا المقال