في يونيو ٢٠٢٢ فوجئ المصريون بخبر حصول لاعب الإسكواش محمد الشوربجي على الجنسية البريطانية، وقراره تمثيل المنتخب الإنجليزي بدلا من المصري، وخرج علينا وقتها عصام خليفة رئيس الاتحاد المصري للإسكواش معلقا على الأمر، بتأكيده أن منتخب مصر يملك كفاءات أخرى، يمكنها تعويض غياب اللاعب الذي وصفه الإعلام بالهارب، ومن هؤلاء مروان الشوربجي شقيق محمد، الذي أكد لرئيس الاتحاد أنه “حاجة تانية خالص”.
“مروان قال لي: يا أونكل أنا مش محمد.. أنا حاجة تانية خالص”
عصام خليفة – رئيس الاتحاد المصري للإسكواش
تذكرت هذا الحديث بعد إعلان اللاعب مروان الشوربجي -المصنف السادس عالميا- قبل عدة أسابيع حصوله هو الآخر على الجنسية البريطانية، وقراره تمثيل منتخب إنجلترا بدلا من مصر، ما دفعني إلى محاولة البحث عن إجابة لسؤال : لماذا يهرب الرياضيون الموهوبون من مصر؟
نبذة تاريخية
يعد الإسكواش من ابتكارات إنجلترا، حيث نشأت اللعبة هناك عام 1830، وظلت في حالة من التطور طيلة القرن التاسع عشر، حتى وصلت إلى شكلها الحالي، وفي المقابل تأسس الاتحاد المصري للإسكواش عام 1931، وكانت مصر من أوائل الدول التي مارست اللعبة، وسيطرت على ساحاته وملاعبه مبكرًا.
هنا يجب الإشارة إلى أن اللاعبين المصريين يتربعون على عرش لعبة الإسكواش، فتاريخيا، كان يعد الدبلوماسي المصري عبد الفتاح عمرو أفضل لاعب في العالم بين عامي ١٩٣٣ و١٩٣٨، بعد فوزه ببطولة بريطانيا المفتوحة ست سنوات متتالية، أي بعد عامين فقط من تأسيس الاتحاد المصري للعبة.
كما يوجد غيره كثير من اللاعبين واللاعبات، الذين تصدرت أسماؤهم لوحات الشرف، وحازوا البطولات العالمية، ومن ضمن هؤلاء محمد الشوربجي وشقيقه مروان، اللذان يمثلان اليوم منتخب إنجلترا، ومعهما أحمد برادة، وعمرو شبانة، ورامي عاشور، وكريم عبد الجواد، وكريم درويش، وعلي فرج، ونور الشربيني.
أبطال الرياضات الفردية: هروب جماعي من مصر
يرى بعض متابعي الشأن الرياضي في مصر، أن لعبة الإسكواش كان لها اهتمام خاص وكبير في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، معللين ذلك بحب مبارك للعبة، ولأنه كان أحد الممارسين لها.
لكن رغم الاهتمام الكبير بها وتطويرها، إلا أنها لم تكن اللعبة الشعبية الأولى في مصر، ولم تستطع منافسة كرة القدم، التي تربعت على عرش الرياضات الشعبية في البلاد، فيما تعرف الإسكواش بأنها لعبة أولاد الذوات، إذ لا يستطيع غالبية المصريين ممارستها، كونها لا توجد في الأندية الشعبية، ويقتصر وجودها على الأندية ذات الطابع الاجتماعي العالي، مما لم يكسبها الشعبية المطلوبة، رغم تربع مصر على قمة اللعبة عالميا.
ينبغي الإشارة إلى أن اللاعبين لهم أسباب كثيرة للعب باسم دول أخرى، إذ لا تنطبق هذه الظاهرة على لعبة الإسكواش فقط، بل أصبحت -في الآونة الأخيرة- سمة في الألعاب الفردية، التي لا تلقى نفس الاهتمام الشعبي أو الرسمي مثل الألعاب الجماعية.
أسباب هروب المواهب المصرية
من خلال متابعة تصريحات اللاعبين الذين حصلوا على جنسيات دول أخرى خلال الفترات السابقة، تبلورت لنا بعض الأسباب التي أدت إلى موافقتهم على إغراءات التجنيس، وكان من ضمن هذه الأسباب ما يلي:
- ضعف الرواتب؛ ما يدفع بعضهم إلى البحث عن عمل آخر بجانب الرياضة، حتى يستطيع الإنفاق على نفسه وأسرته، بالإضافة إلى ضعف المكافآت في حالة التتويج بالبطولات.
وقد جاء تصريح مدرب لاعب المصارعة الرومانية محمد عصام، بعد هروبه من معسكر المنتخب في إيطاليا مؤكدا ذلك، إذ ذكر أن البداية كانت بعد فوزه بذهبية بطولة إفريقيا في المصارعة الرومانية، ولم يحصل على أي مكافأة مالية، وهو الأمر الذي دفعه إلى البحث عن فرصة تمثيل دولة أخرى، خاصة أن أسرته فقيرة ويعمل مع والده باليومية.
- عدم وجود عقود رعاية للاعبين؛ كما صرح اللاعب محمد الشوربجي لقناةبي بي سي عربي أنه فاز بـ 44 بطولة دولية، وطوال تاريخه لم يحظ برعاة مصريين، رغم كونه أكثر مصري يفوز ببطولات المحترفين على مر التاريخ، على حد قوله.
– تجاهل الاتحادات للاعبين حين تعرّضهم للإصابة، والتهرّب من تحمّل التكاليف؛ مثلما حدث مع اللاعب طارق عبد السلام الفائز بالميدالية الذهبية في بطولة أوروبا تحت اسم بلغاريا.
– الواسطة والمحسوبية؛ ويظهر ذلك في عدم التقييم، واضطهاد اللاعبين ومنعهم من المشاركة في المحافل الدولية، مقابل الدفع بلاعبين آخرين أقل منهم كفاءة، وعدم تقبل اختلاف وجهات النظر بين اللاعبين والمسؤولين.
كما حدث مع الفارس سامح الدهان، الذي تعرض للاضطهاد من جانب الاتحاد المصري للفروسية، ما تسبب في استبعاده من تمثيل مصر في الأولمبياد، ولهذا طلب تغيير جنسيته الرياضية.
– ضعف إدارات الاتحادات وعدم قدرتها على التعامل مع الأبطال؛ وهو ما رصده لاعب المصارعة السابق، كريم أبو أسعد، الذي يعمل مدرب مصارعة حاليا، قائلا: “طبيعي أن ينفد صبر لاعبينا بسبب التقصير الإداري لكثير من الأجهزة الإدارية والفنية بالاتحادات، واستغلال أي فرصة للهروب إلى أي دولة يرغبون بها، والتي دائما ما تكون على اتصال باللاعبين المميزين، والترتيب معهم لحين أقرب فرصة للهروب، سواء إلى دولة أوروبية أو عربية كما حدث من قبل.
ويحكي أبو أسعد أنه قرر الاعتزال، بعدما عانى بنفسه من إهمال مادي وطبي وفني من جانب الاتحاد، قائلا إنه من أسرة ميسورة ماديا، ورغم ذلك قرر الاعتزال حتى يستطيع التركيز على مهنة أخرى تمكنه من الإنفاق على نفسه وأسرته.
بالإضافة إلى الدوافع التي رُصدت، أرى بعض الدوافع الأخرى عند لاعبي الرياضات الفردية -لا سيما الإسكواش- للحصول على جنسيات أخرى متنوعة تتضمن:
- البيئة التنافسية؛ بعض الألعاب الفردية ومنها الإسكواش والمصارعة شديدة التنافس في مصر، ومن الصعب على اللاعبين اقتحام المراتب الأولى، ومن خلال الانتقال من بلد إلى آخر يمكن العثور على بيئة أكثر ملاءمة.
- المستوى العالي من التدريب في بعض الدول؛ فعلى سبيل المثال، ليس لمصر مستوى تدريبي مقارنة مع إنجلترا أو دول الخليج مثل قطر، لذا يرى بعض الرياضيين أن الانتقال إلى بلد آخر يحسن من المستوى التدريبي ويمكنهم من التعامل مع مدربين ومعدات أفضل.
حلول عاجلة لحماية المواهب المصرية
من خلال فهم الدوافع، يمكن البدء في تطوير حلول تخدم مصلحة الألعاب الفردية، وتحل مشكلة تجنيس اللاعبين المصريين، مثل:
– زيادة الاستثمار الرياضي؛ وهو ما ينتج عنه زيادة في الموارد المالية؛ ومن ثم يسهم في تطوير اللاعبين المصريين منذ الصغر، وقد يشمل ذلك توفير مرافق تدريب ومدربين أفضل، بالإضافة إلى مزيد من فرص المنافسة، فمن خلال خلق بيئة أكثر دعمًا للمواهب المحلية؛ يمكن لمصر صناعة المزيد من اللاعبين العالميين، الذين لا يحتاجون إلى الحصول على جنسية أخرى.
– دور إيجابي لوسائل الإعلام؛ إذ يقع عليها عبء كبير في الاهتمام بالرياضات الفردية، من خلال منحها جزءا من الاهتمام الذي توليه لكرة القدم مثلا.
– معالجة الأسباب الكامنة وراء اختيار اللاعبين المصريين جنسيات أخرى؛ يكون ذلك على بناء على فهم الدوافع، ودراسة الظاهرة دراسة جادة حقيقية، بهدف العلاج وتدارك العوائق.
بالإضافة إلى هذه الإجراءات، من المهم ملاحظة أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، وأن الأمر يحتاج إلى اتخاذ عدة قرارات وسياسات، تُسهم في حل مشكلة هروب الرياضيين المصريين، والحفاظ على المواهب الوطنية، وجعلها قادرة على المنافسة والنجاح بأفضل صورة، وعلى أعلى مستوى.
تعليقات علي هذا المقال