نحن أبناء بيئاتنا المجتمعية، ومع انغماسنا في تفاصيل الحياة، بما في ذلك العمل والدراسة والعائلة والأصدقاء والإعلام، يتشكل وعينا ونبني هوياتنا.
نعم، لسنا مجرّد إسفنجٍ أصم يمتص ما تمليه علينا تلك البيئات، دون وعي أو تفكير أو تمحيص أو تحليل، لكن من الضروري أن نُقِرّ بأن تأثير البيئة من حولنا له أثر بالغ، يتعدى وعينا به في معظم الأحوال.
ورغم أنه من المستحيل أن ينفك المرء عن تلك المؤثرات، وأن الحياة مستحيلة إن ساءل الواحد فينا إن كان ما يؤمن به هو حقّا ناتجا عن اختيار حقيقي أو اتبّاع لموروث البيئات التي تنقل فيها، رغم هذا، فإن الوعي بذلك مهم، لأن الحق عزيز وطلبه يستلزم تجرّدًا حقيقيّا.
مساءلة المسلّمات التي انبنت في وعينا يومًا بعد يوم دون وعي منا يحصل ما إن تعرض الواحد فينا لواقع مختلف أو فكر مناقض أو ممارسة متمايزة.
توسيع الآفاق تتأتى بمعرفة الاختلاف، وطلب الحق تجرّد في فهم الاختلافات والتحيز إلى أقربها للصواب، وأدناها للجمال، وأرفعها أخلاقًا.
من هذا المنطلق، تحاول مجلتنا أن تبرز لقرائها قدر المستطاع أفكارًا متنوعة، ومواضيع مختلفة، ورؤىً متباينة، وسبلًا، علّ قارئنا يتمحص فيها باحثًا عن الحق، والخُلق، والجمال.
في هذا العدد يتناول عبد الرحمن حسام بالشرح والتحليل نظرية مهمة للمؤرخ بيتر جران، والذي يحاول قراءة التاريخ بوصفه صعودا للأغنياء، بدلا من النظرية الأكثر رواجا التي تنظر لتاريخ العالم الحديث بوصفه صعودا للغرب.
كما يأخذنا عبد الرحمن أحمد في جولة داخل عقل بوتين والنخب الحاكمة في روسيا، محاولا فهم نظرتهم تجاه الشرق الأوسط، متتبعا الروابط التاريخية، ومفسرا موقف العداء من ثورات الربيع العربي، والفرص التي تسعى موسكو لاغتنامها من وراء الانسحاب الأميركي من المنطقة.
بعد ذلك، يطوف بنا إسلام السيد في زحام القاهرة، متسائلا عن الفشل المتكرر في استغلال الفراغ الكبير الموجود حولها، عبر تحليل عميق لنموذجين من المدن الجديدة، هما مدينة بدر ومدينة العاشر من رمضان، وهو ما يمنحنا فرصة لرؤية مستقبل العاصمة الجديدة التي يبنيها السيسي.
وفي القاهرة أيضا لكن قبل بضع مئات السنين، يغوص بنا معاذ لافي في رحلة استكشافية لهوية مسجد أحمد ابن طولون، الذي كان ثالث المساجد المصرية، بعد الجامع الأزهر وجامع عمرو بن العاص، والذي كان لبنائه وترميمه في أزمنة مختلفة حكايات لا بد وأن تروى.
بعدها يكشف لنا صبار محمد جزءا من الدور الخفي الذي تلعبه وسائل الإعلام في حياتنا اليومية، عبر تأثيرها في صنع وتمرير القرارات السياسية، قبل أن تخبرنا شذا النجار عن سر آخر، وهو كيف يمكن للطعام أن يكون أداة تعذيب في السجون، في مقالها الذي يتناول سوسيولوجيا العقاب ومفهوم الجسد المسجون.
بعدها نعود للأسفار، حيث يطير بنا أحمد سيف في رحلة إلى سراييفو حيث مغامرات الصحفي القدير والحكّاء الماهر أسعد طه، الذي يمكن لحكايته أن تكون ملهمة وممتعة على حد سواء.
وفي الختام؛ يحكي لنا عمر إبراهيم حكايات الكرة والسياسة، من التنافس الطائفي في إسكتلندا، إلى الصراع السياسي في إسبانيا، وأخيرا حرب الأغنياء والفقراء في الأرجنتين،
اقرأ وشاركنا أفكارك.
تعليقات علي هذا المقال