لا شك أن أقلام الباحثين والمعنيين لم تنفك عن تحليل الانعكاسات والتداعيات بشأن معركة طوفان الأقصى، التي تشغل حيزا كبيرا ووقتا طويلا للدراسة والتحليل، باعتبار هذه العملية التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر 2023، من أهم الأحداث التي شغلت الرأي العام الدولي.
وقد أدت إلى تغيير الوضع السياسي في المنطقة، وزادت من حدة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وانعكس ذلك أيضا على زيادة المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني.
وفقا لتقرير صدر في مارس ٢٠٢٣ عن خدمة أبحاث الكونجرس، فإن دولة الاحتلال تلقت 158 مليار دولار من الولايات المتحدة منذ عام 1948 وحتى الآن؛ ما يجعلها أكبر المستفيدين من المساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة إلى أن إسرائيل في أعقاب معركة 7 أكتوبر تلقت دعمًا عسكريا إضافيًا، وحث الرئيس الأميركي بايدن الكونجرس الموافقة على منحها المزيد، ورغم المخاوف من أن إسرائيل ستواصل قتل المدنيين والأطفال في غزة، إلا أن هناك دعما من الحزبين للمساعدات المقدمة إلى إسرائيل.
وتأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة وتفكيك ديناميكيات المساعدات الأمريكية لإسرائيل في ضوء طوفان الأقصى، والتي سيكون لها انعكاسات كبيرة على أولويات الأجندة الأمريكية، كما يحاول الإجابة عن التساؤل التالي: ما هي ديناميكيات المساعدات الأمريكية لدولة الاحتلال؟
الأهداف والمصالح من دعم أمريكا لإسرائيل
تعد عملية طوفان الأقصى هجوم شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 والذي أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، حيث تمكنت حماس من إظهار قوتها وتحديها لدولة الاحتلال.
كما نتج عنها أيضاً تغيير مواقف الدول العربية والإسلامية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وزيادة الدعم للفلسطينيين، حيث شهدت الفترات الأخيرة للمقاومة الفلسطينية تنوعًا واسعًا في التكتيكات و الأدوات والاستراتيجيات، بدءًا من المقاومة الشعبية بالمظاهرات والاعتصامات والمواجهات بالحجارة، إلى عمليات القصف والتفجير وأدوات دفاعية أكثر تطورًا، ويضمن ذلك تعزيز مكانة حماس في الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية.
في المقابل، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل معقدة وديناميكية ومتعددة الأبعاد ودائمة، إذ أنه منذ تأسيس دولة الاحتلال حتى الوقت الحاضر، أصبحت واشنطن الحليف الأكثر ثقة لإسرائيل؛ وانطلاقا من الروابط المشتركة، والمشاركة العسكرية الراسخة، والمصالح الاستراتيجية القيمة، أثرت الرابطة المتجذرة في الروابط أيضا بشكل كبير على تشكيل الهوية اليهودية الأمريكية واستمرارها.
هناك أربعة عوامل أثرت على تطور العلاقة:
(1) المشاركة اليهودية الأمريكية العميقة في النظام الانتخابي الأمريكي.
(2) نفاد صبر الحكومة الأمريكية تجاه سلوك الدول العربية المرفوض بانتظام تجاه واشنطن.
(3) ضرورة احتواء الولايات المتحدة للتهديدات التي تواجه سياسات المنطقة ودولها، بما في ذلك الحرب الباردة، والتطرف الإسلامي، والمغامرات الإيرانية.
(4) احتفاظ واشنطن بحاجتها المتصورة لعدم تنفير الدول العربية المنتجة للنفط.
يتم تفسير العلاقة المتطورة في ثلاث فترات زمنية: المسافة بعد الحرب العالمية الثانية، والاحتضان الثابت لأمن إسرائيل منذ ستينيات القرن العشرين فصاعدا، والخلافات العميقة مع هذا الاحتضان المستمر بعد سبعين عاما.[1]
علاوة على ذلك، كان الشرق الأوسط ذا أهمية مركزية بالنسبة للولايات المتحدة حيث سعت الإدارات المتعاقبة إلى تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف المترابطة بما في ذلك تأمين موارد الطاقة الحيوية، ودرء النفوذ السوفيتي والإيراني، وضمان بقاء وأمن إسرائيل والحلفاء العرب، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الديمقراطية، والحد من تدفقات اللاجئين.
في المقابل، سعت الولايات المتحدة إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي كان محركا رئيسيا للديناميكيات الإقليمية، والتركيز على تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية مع موازنة دعمها لإسرائيل والضغط من أجل استقرار إقليمي أوسع. [2]
ثم حدث منذ بداية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وما ترتب عليه من الهجوم الإسرائيلي العقابي اللاحق على قطاع غزة، أن ركزت السياسات الأمريكية على تكثف التعاون وتحقيق عدة أهداف رئيسية وهي:[3]
(1) الحفاظ و التركيز على مصالح الأمن القومي الأمريكي المعرضة للخطر في منطقة الشرق الأوسط، وتنفيذ النهج الذي يخدمها على أفضل وجه.
(2) ضمان بقاء إسرائيل على ثقة من أنها تحظى بدعم قوي من أمريكا وحلفائها الغربيين فيما يتعلق بحقها في الدفاع عن نفسها واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد من يشكل تهديداً لها.
وفي ذات السياق، قدمت أمريكا منذ بداية الحرب دعما هائلا لإسرائيل من خلال مواصلة تأكيد رفضها لأي محاولات لوقف إطلاق النار، على الرغم من سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.
في هذا الصدد، قوضت واشنطن الجهود الدولية الرامية إلى كبح جماح استخدام إسرائيل للقوة في غزة، بما في ذلك التصويت ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” لتوصيل المساعدات؛ ومن خلال الإصرار على معارضة وقف إطلاق النار، تسعى واشنطن إلى ضمان قيام إسرائيل بإنهاء الحرب، وضمان أن واقع ما بعد الحرب يختلف جذرياً عما كان عليه قبلها.
(3) إظهار التزام الولايات المتحدة العميق تجاه حليفتها إسرائيل، وذلك عبر تقديم المساعدات المباشرة لتعزيز قدراتها على تحقيق أهدافها في الحرب على حماس، مع الاستمرار في تجديد المخزون العسكري الإسرائيلي وضمان عدم افتقار تل أبيب إلى المعدات الحيوية لتحقيق أهدافها العسكرية، خاصة الصواريخ الاعتراضية لمنظومة القبة الحديدية والقنابل الموجهة، فضلاً عن إرسال قوات خاصة أمريكية لتقديم المشورة للقوات الإسرائيلية خلال التجهيز للعمليات البرية.
(4) حشد الدعم الدولي لإسرائيل، وتظهر الصورة الأكثر وضوحا للجهود الأمريكية لتحقيق هذا الهدف في البيان المشترك الصادر عن زعماء الولايات المتحدة وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا وإيطاليا، والذي تضمن التزاما صريحا بضمان حصول إسرائيل على الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها.
تطور المساعدات الأمريكية لإسرائيل
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل في 14 مايو 1948 في نفس يوم قيام دولة الاحتلال[4]، كما كانت أول دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017[5] لتنقل موقع السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس عام 2018[6].
بدأت العلاقات الثنائية كقيم مشتركة خلال الحرب الباردة، حيث رأت الولايات المتحدة في عهد الرؤساء ترومان وأيزنهاور وكينيدي وجونسون إسرائيل كحصن ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط.
تم تعزيز التحالف بالفعل خلال رئاسة نيكسون ولا سيما في حرب أكتوبر 1973 عندما جاءت أمريكا مباشرة لمساعدة إسرائيل، ونقلت جوًا شحنة أسلحة ضخمة ساعدت إسرائيل في صد الجيوش العربية المدعومة جزئيا من الاتحاد السوفيتي وقتها.
ومنذ سبعينيات القرن العشرين، أعطت الولايات المتحدة إسرائيل مليارات الدولارات من المنح في شكل مساعدات عسكرية، مما يجعلها أكبر متلق للمساعدات الخارجية، كما أنها أكبر متلق تراكمي للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وفقًا لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس.
وقد رفعت الإدارات الأميركية المتعاقبة، المساعدات التي تعكس الدعم الأمريكي المحلي القوي لإسرائيل وأمنها؛ والأهداف الاستراتيجية المشتركة في الشرق الأوسط؛ والالتزام المعلن المتبادل بالقيم الديمقراطية؛ والعلاقات التاريخية التي يرجع تاريخها إلى الدعم الأمريكي لإسرائيل في عام 1948.
وحتى الآن، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل 158 مليار دولار في شكل مساعدات ثنائية وتمويل للدفاع الصاروخي؛ علما أنه في الوقت الحاضر، فإن معظم المساعدات الأمريكية لإسرائيل هي في شكل مساعدات عسكرية؛ ومن 1971 إلى 2007، تلقت إسرائيل أيضًا مساعدات اقتصادية كبيرة.[7]
في هذا الإطار، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل في 14 سبتمبر 2016، مذكرة المساعدة الأمنية، حيث وقع ممثلو الحكومتين مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات بشأن المساعدات العسكرية التي تغطي السنوات المالية من 2019 إلى 2028.
بموجب شروط مذكرة التفاهم هذه، تتعهد أمريكا بمنحها مبلغ 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية، 33 مليار دولار في شكل منح من التمويل العسكري الأجنبي، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار في شكل مساعدات عسكرية.[8]
العلاقات الاقتصادية المشتركة
إن العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوية، وترتكز على التجارة الثنائية التي تقترب من 50 مليار دولار من السلع والخدمات سنويا؛ تم تقنين العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عدد من المعاهدات والاتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة لعام 1985 واتفاقية التجارة في المنتجات الزراعية.
منذ ذلك الوقت، نمت تجارة السلع والخدمات الثنائية بين الجانبين ثمانية أضعاف، مما يجعل الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لإسرائيل؛ حيث بلغت صادرات السلع الأمريكية إلى إسرائيل 14.7 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الواردات 19.6 مليار دولار عام 2019، وبلغت صادرات الولايات المتحدة من الخدمات إلى إسرائيل ما يقدر بنحو 5.7 مليار دولار، مع واردات بقيمة 7.4 مليار دولار في نفس العام.
كما تنسق الولايات المتحدة وإسرائيل التبادلات العلمية والثقافية من خلال مؤسسة العلوم (BSF) ومؤسسة البحث والتطوير الزراعي (BARD) ومؤسسة البحث والتطوير الصناعي(BIRD) ومؤسسة التعليم الأمريكية الإسرائيلية، ولتسهيل التعاون الاقتصادي، يعقد الجانبان مجموعة تنمية اقتصادية مشتركة كل عام لمناقشة الشراكة الاقتصادية والمبادرات الممكنة للعام المقبل[9].
لقد أعرب بايدن مرارا وتكرارا عن دعمه المطلق لإسرائيل في أعقاب طوفان الأقصى وسرعان ما أرسل مساعدات طارئة إلى تل أبيب، وتشمل المساعدات صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم القبة الحديدية، وقذائف مدفعية، وصواريخ موجهة بدقة، وطائرات مقاتلة.
كما أرسلت إدارة بايدن حاملة الطائرات فورد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل الاحتلال الإسرائيلي؛ وقد زودتها الولايات المتحدة أيضا ببعض من أكثر تقنياتها الدفاعية تقدمًا، بما في ذلك مجموعة من الطائرات المقاتلة الأمريكية من طراز F-35 ، والتي تعتبر الطائرة المقاتلة الأكثر تقدمًا في العالم، وتستخدم إسرائيل بعض هذه الأسلحة لمهاجمة غزة. [10]
بالإضافة إلى أن بعض المنظمات الكبرى أصبحت منخرطة في هذه القضية، مثل مجموعة الضغط أيباك ومنظمة “المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل”، الذين يعبرون عن أنفسهم بشكل لا لبس فيه من خلال دعم المساعدات الأمنية الأمريكية لإسرائيل.[11]
لا شك أن معركة طوفان الأقصى أدت إلى تغيير الوضع السياسي في المنطقة، وزادت من حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما تأثرت الديناميكيات السياسية والاقتصادية في المنطقة بشكل كبير، حيث تغيرت مواقف الدول العربية والإسلامية تجاه الصراع، فضلا عن تقوية موقف حماس في الأراضي الفلسطينية، وما ترتب على ذلك من زيادة المساعدات الأمريكية لدولة الاحتلال بشكل عام.
المصادر
[1] Kenneth W. Stein,” US–Israeli Relationship”, in Reuven Y. Hazan, and others (eds), The Oxford Handbook of Israeli Politics and Society (2021; online edn, Oxford Academic, 8 Oct. 2020), accessed 11 Nov. 2023, Retrieved from: https://cutt.us/C3Uwr
[2] Kali Robinson,” What Is U.S. Policy on the Israeli-Palestinian Conflict?”, Council on Foreign Relations (CFR), July 12, 2023, Retrieved from: https://cutt.us/OTt00
[3] د.ن ، ” الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة”، أسباب، نوفمبر 2023، https://cutt.us/tDieQ
[4] United States Department of State, Office of the Historian, Foreign Service Institute,” A Guide to the United States’ History of Recognition, Diplomatic, and Consular Relations, by Country, since 1776: Israel”, Retrieved from: https://cutt.us/2hBBr
[5] United States Department of State, “U.S. Relations With Israel”, BILATERAL RELATIONS FACT SHEET, BUREAU OF NEAR EASTERN AFFAIRS, DEC 14, 2020, Retrieved from: https://cutt.us/NyIYZ
[6] CRS ,” Israel: Major Issues and U.S. Relations”, CRS Report Sep 27, 2023, R44245,p10>
[7] CRS,” US foreign Aid to Israel”, Congressional Research Service Report March 1, 2023, RL33222,p1
[8]CRS,” US foreign aid to Israel”, Congressional Research Service Report, November 16, 2020, RL33222, p6, ” Retrieved from https://cutt.us/3to20
[9] United States Department of State, “U.S. Relations With Israel”, BILATERAL RELATIONS FACT SHEET, BUREAU OF NEAR EASTERN AFFAIRS, DEC 14, 2020.
[10] Eliza Relman,” How US tax dollars have supported Israel and its military for 75 years — and what’s next for American aid”, Insider, Oct 13, 2023, https://cutt.us/P1bSV
[11]CRS, “US foreign Aid to Israel”, March 1, 2023, p1
تعليقات علي هذا المقال