من الصفات المركزية للعلماء والباحثين، مساءلة الذات، بقدر ما يُسائل الباحث افتراضاته المسبقة، ونظرياته التي تعود عليها، والبيئة الفكرية التي تشكّل فيها، بقدر ما يصبح عمله أصيلًا وذا قيمة معرفية، إذ بهذا يحاول الباحث أن يتحرر مما أجبرته عليه الأقدار، ليفتح لنفسه أفقًا جديدًا قد يكون أبلغ حجة وأجدر تفسيرًا.
ورغم أن مساءلة الذات تلك أمرٌ غاية في الصعوبة، إلا أن تدريب النفس على الانفتاح الفكري تورث للباحث عن الحقيقة سِعةً ضرورية للنظر في تعقيد الظواهر، ولعل إشكالية الاستقطاب التي نشاهدها مرة تلو الأخرى في بلادنا -كما في العالم أجمع- ناتجة عن تكلس فكري تورّث فيه الأيديولوجيات والنظريات توريثًا، حتى بين المثقفين والنخب، دون تمحيص أو تدقيق، ولعل الانفتاح على التيارات الفكرية والتقاليد النظرية المختلفة يمكَن الباحث من رؤية المشتركات، أو تقدير الإضافة المعرفية لكل مدرسة، ومن ثم البحث فيما هو أصلح.
من هذا المنطلق، تحاول مجلتنا أن تعرض على قرائها “سبلَ” مختلفة، نتفق معها أو نختلف، لإيماننا أن فيها ما قد ينفع.
في هذا العدد، يتناول تقادم الخطيب الجذور التاريخية لفكرة التنظيم في مصر، عبر تقديمه تجربة الحزب الوطني ونضاله في مواجهة الاحتلال، ليستخلص الأسباب التي أدت فيما بعد لتراجع التنظيمات السياسية بل والمجتمعية.
فيما يدعو عبد الرحمن حسام لإعادة التفكير في التاريخ العالمي، وبالتحديد من وجهة نظر مارشال هودجسون، الذي يؤمن بأن ثمة تاريخ واحد للعالم، ساعيا لوضع الحضارة الإسلامية في سياقه.
ويتناول إسماعيل عرفة الصراع التقليدي بين ثنائية الإصلاح والثورة، عبر استعراضه تجربة مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج في مواجهة العنصرية.
ويسافر بنا إسلام هلال إلى 3 دول هي ماليزيا والهند ومصر، حيث يستعرض كتاب “سياسات تقنين الشريعة” الذي يبحث في دور كل من الاستعمار والنخب المحلية ويربطه بتشكل الدولة المسلمة في هذه الدول.
بينما تأخذنا يارا خليل في جولة بصعيد مصر، على مدى زمني طويل، تعرض خلالها علاقة تلك المنطقة بالسلطات السياسية التي حكمت مصر على مر العصور، في عرض تاريخي جذاب وسلس.
ويصحبنا أحمد الحمدان في رحلة محفوفة بالمخاطر، يناقش خلالها الأفكار المؤسسة لتيار الجهاد العالمي، والسبل التي يسعى من خلالها لتغيير الأنظمة وتشكيل المجتمعات في العالم الإسلامي.
وأخيرا، يمتعنا عبد الهادي اباغانم بلغته الأدبية، بمقالة حول الكتابة الإبداعية وما تحققه للكاتب من لذة رغم أنها كثيرا ما تعبر عن آلامه وأوجاعه.
اقرأ وشاركنا أفكارك
تعليقات علي هذا المقال