الكل يتحدث باسم مصر؛ لكن مصر في أذهان هؤلاء غالبًا ما تكون صورة مجتزئة عن مصر الحقيقية بكل تنوعاتها الإقليمية، الثقافية، الإثنية، الطبقية، الدينية، العرفية، العمرانية، الأيديولوجية، والمهنية، أولست ترى الخطط العمرانية التي تهدف لتطوير “مصر” وهي تمحو أهل مصر الذين يقطنون “العشوائيات” من أجل علية القوم، دون التفكر في توفير عيشة كريمة لهم.
هل شغل تفكيرك يومًا برامج الأحزاب السياسية -يوم أن كانت موجودة- حول قضية أهل النوبة وقصة تهجيرهم من أراضيهم؟ هل قرأت مثلًا عن صعود الرأسمالية المصرية، أو من يُقال عنهم مُلاك مصر؟ هل شعرت أن “رجال الدولة” في خطاباتهم الرسمية ومعاملاتهم اليومية يشعرون بأنهم هم أنفسهم مصر، وأن الناس -أهل مصر الحقيقيين- ليسوا سوى دخلاء على البلد؟
لعلك قد قرأت كيف أن الصوفية يعتبرون السلفية أيضًا دخيلة على التدين المصري، في حين يرى السلفيون أن التصوف دخيل على الدين أصلًا؟ مصر متنوعة جدًا، كمعظم بقاع الأرض، خاصة تلك التي تعاقب عليها الناس من كل صوب وحدب عبر التاريخ، الوعي بهذا التنوع وفهمه لا مفر منه إن أردنا أن نرى هذه المكونات بأحلامها، مخاوفها، وتنوعاتها الداخلية، في سبيل مصر أكثر تعددية.
يتناول ملف العدد العاشر مجموعة من الإسهامات العلمية التي يمكن أن تسلط الضوء على مكونات المجتمع المصري، وتحاول المجلة بهذا أن تعرض للقارئ مراجعات لدراسات متخصصة تحاول التعرف على الواقع بدقة، كبديل للمحتوى الانطباعي الذي يسود الحديث حول هذا الأمر، ولكثرة التشعبات المجتمعية المصرية، وقع الاختيار على بعض تلك المكونات التي تمت دراستها من قبل متخصصين.
حيث يقدم معتصم أبو زيد كتابًا هامًا لحازم قنديل حول طبقة رجال الجيش والشرطة والأجهزة السيادية الذين يلعبون أدوار الجنود والجواسيس والحكام، محاولًا التعمق بحذر نحو تصور العلاقات المتشابكة بين ما يسميه “ثالوث السلطة” في مصر.
بينما يستعرض عمر سمير كتاب ملاك مصر، في محاولة لتتبع قصة صعود الرأسمالية المصرية لاسيما خلال الخمسين عامًا الماضية، كما يرصد علاقتها مع السلطة.
ويراجع أحمد مولانا كتاب توماس هوسكين حول السياسات القبلية في الحدود بين مصر وليبيا، من خلال تتبع قبيلة أولاد علي، مركزا على أنشطتهم الاقتصادية وتبدل مواقفهم السياسية.
وأخيرا يتناول شادي إبراهيم كتاب إيمانويل ماركس حول البدو في جبال سيناء، والذي يقدم صورة مقربة لمعاناة السكان هناك وتعرضهم للتهميش المستمر، كما يشرح كذلك بدائلهم في مواجهة ذلك.
وإلى جانب ملف العدد؛ نقدم لكم كذلك 4 مقالات أخرى، حيث تتناول دعاء عويضة تطبيقات نظرية الدومينو في أفريقيا خلال السنوات الماضية، مركزة على ظاهرة الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية المتتابعة، كما يأخذنا معاذ العربي في جولة بالقاهرة مستعرضا التغيرات العمرانية التي يجريها السيسي على العاصمة، وموضحا لأهدافها الخفية، بينما يسافر بنا إسماعيل عرفة عبر الزمن ليشرح لنا بدايات حركة المثليين في الدول الغربية، وكيف نجحت في فرض أجندتها على العالم المتحضر، وفي الختام يطربنا مصطفى علي بحكايته حول تطور الأغنية الدينية وتأثرها بما يسميه أسلمة الحداثة، اقرأ وشاركنا أفكارك.
تعليقات علي هذا المقال