أجرى الحوار:محمد عباس
لا يا أخيّ لا تقل ها قد خبا صوت النضال
فصراعنا كر وفر والوغى دومًا سجال
فطريقنا شوك الشعاب حصادنا أعلى الجبال
فإلى النضال إلى النضال إلى النضال
تحمل الأغاني التي تفرزها الحركات الاجتماعية في طياتها الكثير، فتصبح الأغنية عندهم تعبيرا عن واقع معاش، وتفسيرا لأزمات محدقة، وشحذ لبناء مستقبل مأمول.
هكذا كانت الأناشيد للحركة الإسلامية، صوتا يحملها إلى الناس، وحماسًا يربط على صدور مناضليها في حراكهم.
تحاور مجلتنا أحد أعلام النشيد الإسلامي، لنرى ما هو أبعد من النشيد الذي نسمعه: كيف ولد النشيد، وما هي الظروف التي هيأت صعوده وهبوطه، ومن هو المنشد الذي ملأ أرجاء الحركة الإسلامية؟
هو محمد مصطفى مصطفى مسقفة لكنه اشتهر وعرف باسمه أبو راتب، ولد في مدينة حلب بسوريا عام 1962، لأسرة جمعت بين حب الفن والتدين.
التحق بالمعهد العربي للموسيقى في مدينة حلب، إلا أن حبه للفن التراثي والديني، إضافة إلى نشأته الدينية الملتزمة، ساهما في رسم مساره الفني مبكرا.
أسس فرقة الهدى عام 1981 التي قدمت لاحقا العديد من المنشدين، كما بدأ في إصدار ألبومات النشيد الإسلامي الذي يواكب الأحداث التي تلم بالأمة، وتوالت عطاءاته الفنية من خلال الأشرطة والمهرجانات الإنشادية في مختلف أنحاء العالم.
ساهم في تأسيس رابطة الفن الإسلامي العالمية وانتخب رئيسا لها، كما حصل على دكتوراه في الفكر الإسلامي.
وإلى نص الحوار:
ما هو تعريفك للنشيد الإسلامي من خلال تواجدك في هذا المجال؟
أنا أنظر للنشيد على أنه غناء، والغناء هو كل ما يصدر عن الإنسان ويتخلله مشاعره، ويعبر عما في داخله مصحوبا بالنوتة الموسيقية أو المقام الموسيقي.
والغناء بشكل عام يمكن أن يصنف إلى نوعين: غناء ملتزم وغناء غير ملتزم، أما الملتزم فهو أفرع كثيرة، منها الملتزم فكريا، وهذا ربما يكون إسلامي وربما علماني وربما يساري/ وهناك الملتزم دينيا، سواء كان الدين هو الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، وهذا الديني فيه أنواع أيضا، مثلا النشيد الديني الصوفي فيه الابتهال وفيه المديح وفيه الرجاء، وهناك الغناء الملتزم وطنيا، وهو ما يغنى للوطن وحب الأرض والمقاومة، وهناك التراثي مثل الموشح الأندلسي والقد الحلبي والفلكلور الفلسطيني أو الأردني أو اليمني، وهناك الغناء القيمي بمعنى أن يغني لقيم معينة في الفهم الإنساني، كقيمة الأخوة والمحبة والفداء والتضحية، وهناك الغناء الاجتماعي كغناء الأعراس أو في حب الزوجة.
هذا في رأيي كله يسمى الغناء الملتزم، أنا مثلا تميزت في غناء النوع الإسلامي الملتزم الفكري، فسميت منشدا إسلاميا، أما مارسيل خليفة سمي مغنيا ملتزما، لأنه غنى الغناء اليساري الفكري، وكذلك الحال بالنسبة لكل من جوليا بطرس ولطفي بوشناق.
إذا المنشد أو المغني أو المطرب يوصف بالنوع الذي يشتهر به في الغناء، والنوع الثاني هو الغناء غير الملتزم، مثل العاطفي وغناء العشق ووصف المرأة وأحوال الحب، وللأسف أغلب فننا العربي هو من النوع غير الملتزم، إذا النشيد الإسلامي والذي اشتهرت به، هو الذي يحمل آمال وآلام الأمة، وهو الملتزم بالخط الفكري الإسلامي.
هل هناك فرق بين النشيد الإسلامي والإنشاد الصوفي؟ وما الذي يميز بينهما؟
الإنشاد الصوفي هو المتخصص في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والإغراق في شرح هذه المحبة والتغني بها، ويغني الابتهال والمديح، وقد تجد أحيانا المنشد مثلي أنا أغني صوفي وأغني في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأغني المديح، لكن أركز أكثر على الأناشيد الفكرية والحماسية، التي تستحث الشباب على نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عن قضايا الأمة، لذلك صار وصف المنشد الإسلامي يطلق على المنشد الفكري الحركي أكثر من المنشد الديني الصوفي، بمعنى أنه أصبح داخلهم تصنيفين مختلفين، وعموما فقد يغني المنشد الإسلامي أحيانا الإنشاد الصوفي، لكن قلما تجد المنشد الصوفي يغني النوع الفكري.
إذا أردنا أن نعرف الظاهرة أكثر، ما هو تاريخ النشيد الإسلامي؟ من أول من أنشده؟ وكيف تطورت الظاهرة سواء في مصر أو غيرها من الدول العربية؟
بداية النشيد الإسلامي الفكري ظهر بظهور الفكر الحركي الإسلامي، أي بظهور حسن البنا ومن قبله رشيد رضا ومحمد عبده والأفغاني، فبدأ نوع من الترنم الفكري يظهر، وظهر أكثر ما ظهر على سبيل المثال في بعض أغاني النقشبندى وطوبار، مثل أغنية دار أرقم للنقشبندي وهذه أنشودة فكرية، أو لولا الرسول وشرع الله ما بزغت من أغاني النقشبندي أيضا، وتلمح فيها الجانب الفكري.
لكنه ظهر أكثر في سوريا في بداية السبعينيات بظهور منشد اسمه أحمد بربور، غنى لوحدة الأمة، وغنى ملكنا هذه الدنيا قرونا، وبعده ظهر المنشد أبو مازن الذي جمع الكثير من أناشيد الفكر الإسلامي وأنشدها.
ثم كان أبو الجود وأبو دجانة وأبو راتب، فنحن هنا نمثل حلقة من بداية الإنشاد الفكري الإسلامي الذي تواكب مع ظهور الحركة الإسلامية وانتشارها في العالم الإسلامي، إذ جاء النشيد يدعم الفكرة ويعبر عن أفكارها وطموحاتها وأحلامها في العالم الإسلامي.
وبعد ذلك انتشر وصار يأخذ قوالب مختلفة، منها المسرحية الغنائية ومنها المهرجان الغنائي والحفلات وحتى الأعراس، وبعد ذلك جاءت الانتفاضة فدمج النشيد الإسلامي مع أغاني تحرير فلسطين والنضال بشكل عام.
ثم جاءت قضايا الأمة مثل قضية أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وسوريا في الثمانينيات، وتوجت بالربيع العربي ثم صمتت بسبب ضرب الحركة الإسلامية في معظم دول العالم الإسلامي.
وبالتالي أنا أقول: إن النشيد الإسلامي الفكري والنشيد بهذه الصورة بشكل عام هو لسان حال الحركة الإسلامية على اختلاف جماعاتها، عندما تقوى يقوى النشيد، وعندما تضعف يضعف معها ويخبو، بسبب الآليات و الأساليب التي تستعمل في نشر فكر الحركة الإسلامية، إذن النشيد تابع لمسار الحركة الإسلامية لا يموت ولكن يخبو بخفوتها ويرتفع بظهورها.
من هو الجمهور الذي كان يسمع الأنشودة الإسلامية؟ وهل توقفت فقط على الإسلاميين أم تخطتهم وحققت انتشارا أكبر داخل المجتمع؟
أرى أن جمهور النشيد هم محبو الحركة الإسلامية، ربما لا يكونوا منها لأن محبي الحركة الإسلامية أكثر بكثير من منتسبيها، وأيضا هذا الجمهور يكبر بزيادة نشاط الحركة الإسلامية، فأحيانا تصل الحركة الإسلامية إلى مقعد النواب أو الحكومة فيصبح الشعب جزءا منها، وبالتالي تنتشر الأنشودة لدى أبناء الشعب، كما انتشرت مثالا الأنشودة الإسلامية في الجزائر ووصلت إلى معظم الشعب الجزائري.
وفي الأردن على سبيل المثال وفلسطين تكرر الأمر نفسه، إذ هي لسان حال الحركة الإسلامية، والمعبر عن انتشارها، وأحيانا تجد جمهورها من المنتسبين والمحبين وأبناء الشعب، وأحيانا يخبو النشيد وينحسر بسبب الاضطهاد والضغط، إذن الجمهور من المنتسبين والمحبين، لكنه أحيانا ما ينتشر ليشمل قطاعات أوسع من الشعب.
إذا أردنا أن ندمج بين التجربة الشخصية والعامة، كيف أصبحت منشدا؟ وكيف كنت تقوم بالتسجيل وتوزيع الأناشيد؟ ومن الذي كان يدعمك ماديا وفنيا؟
كنت طالبا في المعهد العربي للموسيقى بحلب، وكنت أتعلم النوتة الموسيقية وكيفية العزف على بعض الآلات الموسيقية، ونحن من عائلة موسيقية في مدينة حلب، وقد انتبه إلى أساتذتي ومدربي في المجموعات الكشفية وأنا طفل صغير، فكنت أنشد الأناشيد الوطنية والمدرسية في مسارح حلب وفي الاحتفالات المدرسية.
وعندما ترعرعت في المرحلة الثانوية، انفتحت كثير من الفرق الإنشادية في المساجد والزوايا على النشيد الديني في مدينة حلب، فأحببت هذا النوع من النشيد، ولأنني من أسرة دينية أيضا، إذ إن الموسيقى والتدين في حلب لا يوجد بينهما خصام، بمعنى أنك تجد أسرة موسيقية ومتدينة في نفس الوقت، فزرعت هذه المحبة للنشيد الملتزم بداخلي.
وأنا بصفتي كشفي من الكشافة أحب الأناشيد الوطنية والانتماء للوطن والعروبة والإسلام، فهذه كلها امتزجت وجعلتني اختار نموذج المنشد الإسلامي الصوفي الفكري.
وبعد ذلك صارت أحداث في سوريا، وأنا أحب الأدب العربي والشعر فبدأت ألحن وأكتب، وانتشرت أناشيدي وأصبحت في الثمانينيات والتسعينيات أحد نجوم النشيد الإسلامي الهادف، إذ كنت أهتم بالكلمة، وعلى إطلاع بما يجري فيما يخص قضايا الأمة رغم حداثة سني، وكان لدي محبة لمعرفة ما يدور في وطني وأمتي، وكان هذا الهم هو الذي يشغلني، لذا بدأت أسجل في البداية في استديو منزلي، وبعد ذلك انتقلت إلى استوديوهات فنية، والدراسة جعلت الموضوع أكثر احترافية.
في مجالي الفن والإنشاد وفقني الله لبعض الدعاة الذين وجهوني، بحيث لا يبقى الفن والإنشاد هو مصدر رزقي، وإنما يجب أن أكمل دراستي، والحمد لله حصلت على دبلوم في الشريعة، وبكالوريوس في الاقتصاد، ودبلوم عالي في الفلسفة، وماجستير في الفكر العربي المعاصر، ودكتوراه في فلسفة التربية، وكانت رسالة الدكتوراه في الفنون والأدبيات وأثرها التربوي والحضاري في الإسلام، بعد ذلك أصبحت أستاذا في الجامعة بعدد من جامعات أمريكا والبحرين والآن في تركيا، فكان الشأن الأكاديمي هو عملي ومصدر رزقي، وكان الفن هو رسالتي لنشر الكلمة الهادفة والتعبير عن آمال وآلام الأمة.
من خلال رؤيتكم، هل قصة باقي المنشدين تتشابه معكم أو حالة الحركة الإسلامية أثرت ودفعتهم نحو احتراف الإنشاد؟
القليل جدا منهم من تجده بهذه الرؤية الفكرية، فأنا أتصور أن النشيد تحول بعد ذلك لدى الأغلبية إلى مصدر رزق، لكنه في نفس الوقت ملتزم بالفكرة الإسلامية، فكثير منهم لم يؤهل نفسه أكاديميا أو موسيقيا، ما إن يجد لديه صوتا جميلا حتى يبدأ يقلد غيره ويصبح منشدا، ويصدر عدة ألبومات ويشتهر من خلال ذلك، لكن قليلا ما تجد المنشد يدرك أن الأنشودة هي رسالة وواجب ودعوة.
لقد أسست مع عدد من الدعاة، مثل الدكتور على العمري -فرج الله عنه- رابطة الفن الإسلامي العالمية عام 2003، وكنا نؤصل لهذا الفهم للنشيد الإسلامي والنشيد الملتزم، وأقمنا عددا من المؤتمرات والمهرجانات، توجناها بالمهرجان الدولي الأول في الجزائر بالتعاون مع جمعية الإرشاد هناك.
وكذلك أسسنا الجائزة العالمية للشباب برعاية ملك البحرين، وأيضا أنشأنا قناة فور شباب الفضائية، التي حملت نفس الفكر، واقترحنا على عدد من القنوات الأخرى برامج مثل منشد الشارقة ومنشد القدس، فنحن نؤصل لأن يكون النشيد مؤسساتي دعوى، يحمل فكر الحركة الإسلامية بمختلف مجموعاتها، ويعبر عن هموم الأمة.
المقصود أن النشيد الإسلامي ليس فقط إنشاد، أو لون من ألوان الإنشاد، لكنه منظومة كاملة، تقف بجانبه مؤسسات ومسابقات، لقد بدأ الأمر بتسجيل الأنشودة ثم تحول إلى منظومة كاملة تعبر عن أحلام وطموحات الأمة.
ما الفرق بين أناشيدكم وأغاني آخرين مثل ماهر زين وحمزة نمرة؟
هذا كله نشيد ملتزم، ولكن الالتزام له فروع، ربما يصنفني البعض تحت النشيد الإسلامي الملتزم، بينما ماهر زين وحمود الخضر وموسى مصطفى تحت تصنيف النشيد القيمي، ونحن ندعم هذا النوع أيضا، فهو هام جدا للشباب، ولكنه يبتعد قليلا عن الفكر الحركي، يبتعد عن الفكر الوطني والمقاوم، ويمزج بين النشيد القيمي والنشيد الديني الصوفي، وكلهم يصنف تحت النشيد الملتزم.
والآن صار هناك خلط، هل مات النشيد الإسلامي بسبب ظهور النشيد القيمي؟ الإجابة: لا، لأن الأمر عبارة عن أوزان تصعد وتهبط، بسبب الظروف المحيطة.
بمعنى أنه مرت فترة من الفترات خبا النشيد الإسلامي وظهر النشيد الصوفي بشكل أكبر مع ظهور سامي يوسف مثلا، بينما مرت فترة أخرى كان النشيد الإسلامي والفكري والوطني والمقاوم أكبر بوجود الانتفاضة الفلسطينية، ومع مرور الانتفاضة خبا النشيد الإسلامي وصعد النشيد القيمي، وأنا برأيي كل هؤلاء هم فنانون ملتزمون لكن الأنماط تختلف.
أما بالنسبة للمؤسسات، فكثير من الشركات اهتمت بجانب الربح، شركة مثل Awakening كانت تعمل بشكل عام داخل إطار النشيد الملتزم، لكنها كانت تغني أكثر من لون مثل الإسلامي والقيمي.
وهناك مؤسسات أخرى مثل روتانا كانت معنية باللون غير الملتزم، ولديها تمويل كبير، لكنها كانت ترفض أي منشد ملتزم يأتي إليها، هناك أيضا قنوات مثل اقرأ ورسالة وفور شباب حاولت دعم النشيد الملتزم، لكن تمويلها كان أقل من القنوات الأخرى، وكذلك عملت مؤسسة الهدى الدولية على نشر النشيد الإسلامي، غير أن هذا الدور لم يدم.
في فترة صعود النشيد الإسلامي، كان هنا أيضا حالة إنشادية أو غنائية من التيارات اليسارية، هل تعتقد بوجود تفاعل بين الحالتين؟
نعم، الملتزم عندما صنفناه قلنا أن منه اليساري الملتزم، لكنه يعبر عن الفكر اليساري، ولقد مرت فترة كان هناك انسجام بين النشيد الإسلامي الملتزم والنشيد اليساري الملتزم، عندما غنوا للوطن.
مثلا كثير من أغاني مارسيل خليفة غناها بعض الملتزمين إسلاميا، كأغنية أحن إلى خبز أمي التي انتشرت بين الإسلاميين، كما غنوا معا نفس الفلكلور، مثل على ده العونه، ويا ظريف الطول، حتى النشيد الوطني تجد الإسلامي واليساري والوطني يغني موطني.
أنا عندما أخذت أغنية لبيك يا علم العروبة، وحولتها إلى لبيك إسلام البطولة منذ 40 سنة، صار كل الناس يغنون لبيك إسلام البطولة، خاصة عندما أصبح هناك انسجام بين العروبة والإسلام، لأن كلتيهما تعبران عن طموحات الشعب، وأنا كثيرا ما أضع في الأناشيد الوطنية اللمسة الإسلامية، مثل في سبيل الله والأوطان نحيا ونبيد، قلتها في سبيل الله والإسلام نحيا ونبيد فانتشرت أيضا، إذن هي حالة واحدة، ولكننا وضعنا بعض المصطلحات التي جعلتها أكثر إسلامية، كما أننا أنشدنا أيضا العشرات من الأناشيد ذات النفس الإسلامي، وذات الفكر الإسلامي، التي انتشرت بين الشباب.
كيف ترى النقاشات التي كانت تدور في ساحة الأناشيد، مثل المعازف أم الكلمات، صوت المرأة، سمت المنشد؟
كما قلت لك، النشيد الإسلامي الفكري الملتزم هو لسان حال الحركة الإسلامية، فلما كان هناك خصام بين الفكر الحركي الإسلامي وبين مشروعية الموسيقى، كان النشيد الإسلامي لا يأخذ فتوى الموسيقى، ولما صارت نقاشات كثيرة حول الموسيقى، وضرورة الاستخدام المشروط لها، مثلما أفتى الإمام القرضاوي -رحمه الله- بدأ استعمال الموسيقى، حيث بدأ في دول أفريقية مثل السودان وتونس والمغرب، وانتشر بعد ذلك في مصر والمشرق العربي، وأصبح الآن غالبية أبناء الصحوة الإسلامية يأخذون بفتوى إباحة الموسيقى بحدود وشروط في أناشيدهم.
أنا في رسالة الدكتوراه توصلت إلى أن كلا الرأيين لم يتوصلا إلى درجة القطعية، أي أنه خلاف معتبر، ولا يمح رأى الرأي الأخر، فمن أراد أن يأخذ بأي الرأيين فليكن.
ولذلك أنا عندما أُنتج الآن، أنتج بنسختين أو ثلاثة، حتى أصل إلى كل المستمعين، ولكن رأيي في الموسيقى لم يتغير، أنا من الأول كنت طالبا في المعهد العربي للموسيقى، غير أني كنت أحترم الحركة الإسلامية والجماعات الإسلامية، والآن أصبحت الموسيقى تدخل إلى كل البيوت، فأصبح هناك نوع من السماح في استعمال الموسيقى، فنحن نأخذها كما وجدت بفتوى علمائنا وشروطها، ونزين بها بعض الأناشيد، رغم أنني من داخلي أرى الإنشاد هو الاهتمام بالكلمة في المرتبة الأولي، الكلمة ثم الكلمة، ثم بعد ذلك يأتي الصوت واللحن، إذ إن النشيد هو عبارة عن خطبة، عبارة عن خاطرة، ولكن تضع فيها لحنا وتغنيها بصوت لتصل إلى القلوب والعقول.
النقاشات بشكل عام كانت متعلقة بالنقاشات التي تتم داخل الساحة الإسلامية، وقس على ذلك صوت المرأة والمعازف وسمت المنشد والوجود على المسرح أو وجود فيديو كليب.
كان كل ما يطرح في الحركة الإسلامية يطرح ما بين المنشدين، وبالتالي أنا آخذ على بعض المنشدين ضياعهم في هذه النقاشات، وأنصح هنا من يتتبع ويدرس حالة الحركة الإسلامية ويغني في مجالها، سيبقى محافظا على سمت المنشد الإسلامي، أما من أراد أن يقفز إلى نموذج المغني سيضيع، لأن الغناء غير الملتزم له سلبيات كثيرة، سواء في أسلوب الزي والطابع الغنائي والكلمات، فأنت مهما اقتبست حركتهم وصورتهم حتى لو أضفت إليها غنائك وكلماتك لن تنسجم، لذلك حافظ على سمتك ومواكبتك للحركة الإسلامية، وغن بما تدور فيها آمالها وآلامها، بذلك تبقى منشدا.
ولذلك، إذا نظرت إلى إنتاجي الأخير، بالحب عائد، أنا أغني الفكر، أغني الآلام والآمال، ولكن بصورة جديدة، باستعمال المؤثرات الموسيقية والألحان، وبسمت معين يحافظ على قوة الكلمة وهدفها، والرسالة التي يجب أن توصلها الأنشودة.
أعتز بنعمة المنشد الإسلامي، وأعتبرها أكبر نموذج ومثال، وأيضا أنشودة أفلسطين أم أندلس من كلمات الدكتور يوسف القرضاوي، يحكي عن الربيع العربي، فلم تعد فقط فلسطين والأندلس، ولكن هناك أقطار أخرى أصبحت تضيع مثلهما.
سؤال أخير؛ هل ترى أن النشيد الإسلامي اختفى؟ وكيف ترى مستقبله؟
النشيد الإسلامي لم يختف، ولكن خبى بسبب عدم وجود مهرجانات إنشادية كما كان موجودا في السابق، وهذا يرجع إلى ضعف الحركة الإسلامية وهجرتها من أوطانها وما تعرضت له من ضغوط.
المهرجانات الإسلامية خفتت، ولم تعد موجودة على الساحة، وكذلك ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي التي تغطي النوع الآخر من الفن الملتزم، وأيضا نشاط بعض المؤسسات الملتزمة في نشر النوع الآخر من هذا الفن، وأنا كما قلت كل هذا نشيد إسلامي، ولكن بنكهات متعددة، فالنشيد الإسلامي موجود، ولكن لم يعد يوجد هذا النوع من النشيد الفكري الحركي، سوى تقريبا ما أصدرته من ألبوم، بالحب عائد.
في السنوات الأخيرة لم أر إنتاجا لمنشد في هذه المساحة، ولكن يوجد إنتاج لبعض المنشدين في جانب القيم، ونحن الآن نعيد حركة النشيد الإسلامي من خلال منشد القدس، الذي أتمنى له النجاح بإذن الله.
أيضا لا ننسى وجود بعض الفرق الآن، كما في الأردن على سبيل المثال، تعيد إنتاج الأناشيد القديمة بصورة جديدة، وأنا عندي فكرة لإعادة بعض الأناشيد القديمة بصورة جديدة أيضا، حتى نرجع حركة الإنشاد مرة أخرى، وأملى أنه بقوة الحركة الإسلامية يقوي النشيد، وتعود المهرجانات والاحتفالات الإنشادية إلى الساحة.
هل هناك من كلمة أخيرة في نهاية الحوار؟
أتمنى على كل الحركات والجماعات الإسلامية ومراكز البحوث أن تهتم بتحريك الفن الإسلامي الملتزم، وخلق فعاليات تعيده إلى الساحة، لأنه في الحقيقة يلعب دورا كبيرا من باب التغني بالتبني، فعندما يتغنى الشاب بهذه الأناشيد يتبنون ما تقوله الكلمة، وبالتالي يصبح أكثر اندماجا مع الفكرة الإسلامية، لذا أوصى بإعادة الاهتمام به مرة أخرى، لأن تأثيره لا يقتصر على الفن بل له تأثير على الحركة نفسها.
وأنا عندي مثال، عندما ضُربت الحركة الإسلامية في سوريا في الثمانينات، أصدرت أنشودة اسمها: لا يا أخيّ فلا تقلها.. قد خبا صوت النضال.. فصراعنا كر وفر.. والوغى دوما سجال، بالنسبة لآلاف الشباب المسلم في سوريا، هذه أنشودة أجابت لنا على تساؤلاتنا، وجعلتنا نعيد الهمة من جديد، فهذه معركة بين الحق والباطل، ودائما الحق يجب أن يعود ويقوى وينتصر، إن شاء الله.
تعليقات علي هذا المقال