كثيرا ما تُتخيل الدولة ككائن مصمت يأمر وينهى ويقرر وينفذ، وأحيانا تُختصر الدولة المصرية في شخصية الرئيس الدكتاتور الذي يشرف على كل شيء بالتفصيل، غير أن ما يسمى الدولة هي في الأساس تفاعلات بين بشر من لحم ودم، تضبطها قواعد مؤسسية لها تاريخ ومصالح لهؤلاء الناس ومؤسساتهم.
وهذه الدولة ليست في معزل عن التفاعلات في مجتمعها، أو محيطها الإقليمي والدولي، لذا؛ فإن الإجابة على سؤال “من يصنع السياسة في مصر؟” لا بد وأن يدخل في حيزه كل التفاعلات، لفهم أعمق.
غير أن هذا السؤال عام جدا، ولا بد من تحديد النطاق الذي نريد تفسير السياسة فيه، بعض النطاقات لا يمكن تصور سياسة الدولة فيها إلا بالنظر إلى علاقاتها الإقليمية والدولية، وبعض النطاقات قد تكون للعوامل الداخلية فيها نصيب أكبر، وأحيانا يكون للصراعات داخل أجهزة الدولة دور أكبر في بعض المجالات من البعض الآخر.
في عددنا السادس عشر، نحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب المتعلقة بصنع السياسات في مصر: تحولات الفواعل والأهداف، حيث يعرض الأستاذ هشام جعفر ملامح إعادة تعريف السياسة الجارية في مصر الآن، بما في ذلك اختفاء الأيديولوجية، وسيولة الاستقطابات، وانتفاء الحدود الفاصلة بين الداخل الوطني والخارج الإقليمي والدولي.
فيما يتناول عمر سمير مجال السياسة الخارجية، باحثا بين أروقة الأجهزة السيادية وديوان وزارة الخارجية ومكتب رئاسة الجمهورية عن الفاعل الأبرز في تحديد العلاقات مع الخارج، متتبعا تاريخ الصراع بين أجهزة الدولة على احتكار هذا المجال، وموضحا كيف تحولت السياسة الخارجية لمصر إلى مجرد سياسة تعبئة موارد بهدف الحفاظ على استقرار النظام.
ويأخذنا أحمد حلمي في محاولة لرسم خريطة سياسات حقوق الإنسان في مصر، بهدف تحديد مداخل التأثير في النضال الحقوقي طويل المدى؛ من خلال الإجابة على أسئلة: من هم أهم الفاعلين؟ وما هي أوزانهم النسبية؟ وما هي أهم آليات وقنوات التأثير التي يعملون من خلالها؟
ويشرح لنا معاذ العربي الأهداف الحقيقية لسياسة التخطيط العمراني في مصر، بما في ذلك خطة الهروب من القاهرة إلى العاصمة الجديدة، فضلا عن تغيير معالم ميدان التحرير، حيث تهدف السلطة لمنع سيناريو الثورة الشعبية بعدما حدث في 2011، كما يفسر السر وراء سيطرة الجيش على مشاريع العمران، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد.
ويعبر بنا عمر عابدين البحار والمحيطات، متتبعا سياسات الهجرة في مصر، راصدا تبدل وجهة المصريين من السفر المؤقت حيث دول الخليج والدول العربية إلى البحث عن هجرات أكثر استقرارا في أوروبا وأمريكا، محاولا الإجابة على سؤال: لماذا يهاجر المصريون؟ قبل أن يقدم شرحا وافيا عن نظرة الدولة المصرية للملايين من مواطنيها الذين يعيشون في الخارج.
وكما عودناكم، يضم العدد 3 مقالات أخرى، حيث يناقش محمد عادل مسألة تدفق الأموال الخليجية على مصر، عبر الاستحواذ على أصول حكومية مربحة، مبينا خطورة الأمر على الاقتصاد والسياسة.
ويتتبع مصطفى علي تاريخ الصراع بين الدولة وطبقة المعلمين، مركزا على الآليات التي اتبعها نظام السيسي بهدف إخضاعهم، وتقويض تمردهم، بعد سنوات من النضال بهدف تحصيل حقوق لا تزال بعيدة المنال حتى الآن.
وفي الختام، يأخذنا إسلام هلال في جولة داخل كتاب العبادة والحياة في ضوء الفقه، للبروفيسور كمال يلدز، والذي يقدم رؤية شاملة للحياة في ظل الإسلام، متناولا الفروق بين عصر الرسول الكريم والذي يطلق عليه الكاتب اسم عصر السعادة، والعصر الحديث حيث يجد المؤمن نفسه محاطا بطوفان من المادية.
اقرأ وشاركنا أفكارك
تعليقات علي هذا المقال