منذ أن أسس الفاطميون قاهرتهم والأحوال في مصر تبدلت بشكل أكثر عمقاً من تغير ظاهري للسلطة أو للعمران، حتى عبّر المقريزي عن ذلك بقوله: “فصارت مصر دار خلافة بعد أن كانت دار إمارة”. وربما يفسر هذا المفهوم طبيعة موقع القاهرة في التاريخ أنه لم يكن حالها كحال المدن الأخرى التي أُسست في مصر، مثل: القطائع والعسكر التي أسسها الولاة العباسيون في مصر لتكون امتدادًا عمرانيًا للفسطاط العاصمة التي أسسها عمرو بن العاص مذ دخوله إلى مصر، بل كانت عاصمة جديدة للخلافة مختلفة تمامًا مذهبًا وسياسةً عما جرى في مصر قبل ذلك.
سوِّرت القاهرة بسور وثمانية أبواب: “باب النصر وباب الفتوح وباب القنطرة وباب سعادة وباب الفرج وباب زويلة وباب القراطين وباب البرقية”، وبُنِي فيها قصران ومسجد جامع يصلي فيه الخليفة الجمعة، سُمي على اسم الزهراء فاطمة بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). فضلاً عن منشآت أخرى ودور ودواوين ومقر لداعي الدعاة -المنصب الأهم جنبًا إلى جنب مع الخليفة الفاطمي- حتى باتت عامرة فاطمية لا ينازعها في مصر وإفريقية منازع. لكن القاهرة التي نعرفها اليوم لم تكن قاهرة الفاطميين التي عمروها، بل مرت بتراكمات غيّرت من مضمون عمرانها التي أسست عليه. وفي هذا المقال نتحدث عن عمران القاهرة ومفهوم الانعزال الطبقي والسلطوي عن العامة، وكيف تغيرت حتى باتت مرتع العامة الذي هربت منه السلطة؟
كيف بدأت قصة الفاطميين
اختلف المؤرخون على حسب توجهاتهم وقناعاتهم المنهجية أيضا على نسب الفاطميين، منهم من أقر ما أقروه عن أنفسهم بأن نسبهم يمتد إلى علي بن أبي طالب عن طريق جعفر الصادق ومحمد الباقر، ومنهم من طعن في نسبهم وأنه مجوسي وفارسي. لكن التاريخ والواقع لا يعنيه أي نسب فيهما. بل يعينه ما جرى على أيديهم من تأسيس خلافة ودولة سواء في مصر أو قبل ذلك.
بدأت قصة الباطنية الإسماعيلية منذ وفاة الإمام جعفر الصادق في منتصف القرن الثاني الهجري، حين نشأ خلاف داخلي بين الشيعة، بين مبايعة موسى الكاظم بالإمامة أو مبايعة إسماعيل بن جعفر بها. حتى انقسموا إلى فريقين، فسُميت الفرقة الأولى بالكاظمية أو الإمامية الإثنى عشرية، والفرقة الثانية سُميت بالإسماعيلية؛ بسبب الخلاف بينهم وبين العباسيين، وهرب أئمة المذهب ورموزه إلى الشام وتحديدًا إلى مدينة السلمية، وبدأت الدعوة من هنالك، لكنها لاقت صعوبة شديدة، وعلى النقيض لاقت الدعوة على يد أحد دعاتها رواجًا في قبيلة كتامة في المغرب، حتى هاجر عبيد الله المهدي إلى المغرب وأسس دولته هناك.
جاء الفاطميون من الشام إلى “إفريقية وأسسوا المهدية ثم المنصورية، لتكون مراسي دولتهم الرسمية في إفريقية (تونس). وكان التأسيس على يد عبيد الله المهدي، ثم توالت الخلافة عبر أعقابه وصولًا إلى أبو تميم معد بن إسماعيل وهو الخليفة المعز لدين الله، الذي دخل مصر خلفًا للإمارة الإخشيدية؛ الدولة شبه المنفصلة عن الخلافة العباسية السنية. كان دخول المعز لدين الله الفاطمي مصر بعد محاولات فاشلة سابقة دخولًا لينًا لا عناء فيه. حيث مهد له الطريق جوهر الصقلبي وأسس له القاهرة قبل أن يدخلها.
دخول الفاطميين إلى مصر اللين لا يعكس سهولة التأثير أو عمقه، بل كان شديد الخطورة والأهمية. كانت مصر منذ أن دخلها العرب المسلمون في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب على يد عمرو بن العاص، تابعة -بشكل كامل أحيانًا وجزئيًا أحيانًا أخرى- لدولة الخلافة بتنقلاتها المختلفة من المدينة إلى الكوفة ثم إلى دمشق ثم إلى بغداد وسامراء، وبطبيعة الحال كانت السلطة في مصر تدين بالولاء للخلافة العباسية وتوجهاتها المذهبية أينما حلت. حتى جاء الفاطميون فأعلنوا بذلك انعزالًا تامًا لا مواربة فيه. واختلافا عقديا ومذهبيا لا شك فيه. وثقلا سياسيا بموازين مختلفة يهدد تأثير العباسيين في المنطقة، حتى باتت الخطبة في الحجاز والشام تخطب باسم الخليفة الفاطمي في فترات تاريخية كثيرة في عهد الخلافة الفاطمية.
وهو ما ينعكس كذلك على حالة القصر الفاطمي، قصر الخلافة في المخيلة التاريخية الإسلامية، إذ كان قصر الخليفة في بغداد هو المؤثر الرئيس في مخيلة الناس عن الخلافة العباسية: مظاهره وطريقة تعامل الخليفة مع وزرائه وطبيعة المجالس المعقودة فيه والروايات الأدبية المنقولة عنه وأمور السياسة والتنظيم والرسائل. ولم يكن الحال هكذا في مصر قبل الخلافة الفاطمية، حتى أسس الخلفية قصره فبات ينافس في أذهان الناس مخيلتهم عن القصور العباسية ومن قبل الأموية. وفي هذا الأمر تغير الحال في مصر تماما.
بعد هذا التاريخ، اشتمل العالم الإسلامي حينها على ثلاث خلافات، الأولى: كانت عباسية سنية تتحكم في العراق وتوابعها الصغيرة، والثانية: كانت فاطمية شيعية تتحكم في مصر والشام وجزء من الجزيرة العربية، والأخيرة في منأى ومنعزل عن الأولى والثانية: خلافة أموية سنية هي الأخرى أرسى قواعدها عبد الرحمن الناصر في الأندلس. لذا كانت الخلافة الفاطمية -مع وفرة الذهب وقوة الجيش- طرفا قويا في الصراع السني الشيعي بالمنطقة.
يوم أن أسست القاهرة
في ليلة 17 شعبان سنة 358 هجريًا، أي 6 يوليو سنة 969 ميلاديًا، أنزل جوهر الصقلبي جنوده عند بركة الفيل بالقرب من الجامع الطولوني واختار أرضًا خالية ليؤسس عليها مدينته الجديدة، التي أطلق عليها أولًا اسم المنصورية. وعندما أتم بناء القصر والجامع وأنشأ عليهما السور من طوب لبن، وحصّن الجزء الشمالي أكثر من أي جانب آخر، تجنبًا لهجوم القرامطة -الخطر الحقيقي الذي كان يهدد الفاطميين- أطلق على اسم المدينة “المنصورية” تشبها بعاصمة الفاطميين في إفريقية “المنصورية”.
لكن المعز لما دخل إليها وصلى ركعتين شكرًا لله واجتمع بمجلسه، غيّر اسمها إلى “القاهرة”، واختلف المؤرخون في سبب تسمية مدينة القاهرة، منهم من قال إن المنجمين أطلقوا هذا الاسم لأنه صادف بناء المدينة ظهور كوكب المشتري المسمى بالقاهر، ومنهم من رجح رواية أكثر منطقية من تلك: هي أن المعز حين خرج لوداع جوهر وهو في طريقه لفتح مصر، التفت إلى المشايخ المصاحبين له وقال: “والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر وليدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون ويبني مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا”. لذا كان هذا السبب كافيًا للمعز أن يطلق عليها اسم القاهرة تيمنًا بتلك الرؤية.
قاهرة النخبة والموالين للخلفية
“إنما بُنيت -القاهرة- لتكون منزل سكنى للخليفة وحرمه وجنده وخواصه، ومعقل قتال يتحصن بها ويلتجئ إليها، وأنها -أي القاهرة- لم تزل دار خلافة ومنزل ملك ومعقل قتال، لا ينزلها إلا الخليفة وعساكره وخواصه الذين يشرّفهم بقربه فقط”. هكذا عبر المقريزي عن فلسفة بناء المعزية القاهرة. ومن خلال كتابات المؤرخين المختلفة، يتبين أن القاهرة لم تكن مدينة محصنة بالمعنى الحرفي للكلمة أو منعزلة عن العوام لا يدخلونها من قريب أو من بعيد.
كان هناك المقصد من بُعد المدينة الجديدة عن الفسطاط وأحيائها المتناثرة التي سكنها العرب جيلًا بعد جيل وكانت مدينة متعددة الطبقات كثيرة الوظائف، وهو أن ينعزل الخليفة وحاشيته ووزراؤه وجيوشه ومن جاء بهم من المغرب انعزالًا شبه كامل عن المدينة القديمة. وأن يحكم من خلال مدينته المقدسة ليس مصر فحسب؛ بل أقطار العالم الإسلامي كله.
لكنها كانت مدينة ملكية يخضع كل شيء فيها للخليفة، عكس الفسطاط مثلًا، كل ما فيها ملكه يقرب منه من يشاء ويعطي السكنى فيها من يريد. واعتمد الخليفة على القاهرة في أن تكون نقطة انطلاق الدعوة الإسماعيلية إلى أقطار العالم الإسلامي كله. إذ كان يعقد لداعي الدعاة وهو الشخص المسؤول عن الدعوة الفاطمية مجلساً في القصر الفاطمي أطلق عليه اسم “المُحَوّل”، فضلًا عن وجود الجامع الأزهر -أو جامع القاهرة كما عرف في بداية الأمر- لأن يكون نقطة انطلاق الدعوة الفاطمية والفكر الإسماعيلي من خلال دعاته المختلفين.
كان الهدف في أن تكون للقاهرة مظاهر معينة، كمدينة دينية مقدسة في الأساس خاصة بالخليفة دون غيره، تنطلق منها الدعوة الفاطمية سياسيا ودينيا، فكريًا عن المذهب الإسماعيلي وسياسيا عن قهوة الخلافة الفاطمية ذاتها وطبيعتها.
تنظيم القاهرة الخلافاتي
من باب الفتوح إلى باب زويلة، تم تأسيس طريق طويل شبه مستقيم قسم القاهرة إلى جانبين: جزء شرقي وجزء غربي، سمي هذا الطريق بالقصة العظمى “شارع المعز لدين الله الفاطمي الآن” وعليه تم تأسيس القصرين: القصر الشرقي والقصر الغربي، وسُميت المنطقة الواقعة في المنتصف ببين القصرين، حيث كانت رحبة، أي أشبه بالميدان، تقام فيها الاحتفالات الفاطمية التي كان يشهدها الخليفة من وقت إلى آخر في مواسم السنة. وكان هذا هو قوام المدينة الرئيسي بجانب المسجد الأزهر؛ مؤسسة على وظيفة معينة ونمط معين وعليه تراكمت طبقاتها من خليفة إلى آخر ثم من سلطان إلى سلطان حتى وقتنا الحالي.
ضم القصران شتى أنواع الحياة وبهجتها. وخاصة البساتين الغنّاء التي تميز بها العمران الفاطمي، يصف الرحالة الأوروبي (غليوم دوتير) أحد بساتين القصر الشرقي الكبير بعد أن زاره في عصر الخليفة الفاطمية الأخير العاضد لدين الله: “بعد مرورنا في دهاليز طويلة وضيقة ومقببة حيث لا نبصر شيئا. وصلنا نحن الإفرنج إلى فناء مكشوف محاط بأروقة رائعة ذات صفوف من الأعمدة المزخرفة بالذهب مرصوفة برخام متعدد الألوان. كان المنظر ممتعا وشيقا للغاية، لدرجة أنه لا بد للإنسان الأكثر انشغالا من أن يتوقف في أماكن عدة. وفي المنتصف توجد نافورة ذات أنابيب مصنوعة من الذهب والفضة تجلب المياه الصافية للغاية من جميع الاتجاهات. وترى العين هنا وهناك أنواعا لا متناهية من الطيور ذات الألوان النادرة التي تحلق من حولنا. لقد أُحضِرت هذه الطيور من مختلف أنحاء الشرق، ولا يملك أي إنسان إلا أن يتعجب لمشاهدتها”.
وكانت هناك أسس تنظيمية في القاهرة الفاطمية، يذكر المقريزي على سبيل المثال تنظيم المرور في ميدان بين القصرين: “يبين خارج القصر كل ليلة خمسون فارسا، وبعد أذان العشاء يتقدم أمير يدعى سنان الدولة نحو باب القصر؛ فإذا علم بفراغ الصلاة أمر بضرب الطبل والبوق ولوائقهما مدة ساعة زمانية، ثم يخرج أستاذ برسم هذه الخدمة وينادي قائلًا أمير المؤمنين يرد السلام على سنان الدولة، ويشهر حربة ويغرسها على عتبة الباب وحينما يرفعها ثانية ينغلق الباب، ثم يدور حول القصر سبع دورات. وأخيرًا يحضر حراس الليل والفراشون للوقوف أمام الباب، ثم توضع سلسلة لمنع المرور في ميدان بين القصرين حتى تعلن نوبة الحراسة اقتراب الفجر، فيتم رفع السلسلة ويمكن للناس المرور من هذا المكان”.
فضلاً عن وجود دواوين التنظيم وبيوت الأمراء والموظفين لدى الخليفة، وتقسيم القاهرة إلى حارات وخطط، خصصت كل حارة لقبيلة معينة من القبائل التي أتت مع الفاطميين، وتفردت القاهرة كذلك بهذا العمران. لاحقا نشأ خارج أسوار المدينة مسجد الحاكم بأمر الله، الذي كان ملاصقا للسور الشمالي للقاهرة عند باب الفتوح، حتى أدخله بدر الجمالي عند توسعة السور في خلافة المستنصر. كان مسجد الحاكم بأمر الله -الذي بدأ بتشييده والده العزيز- أحد أهم المنشآت الفاطمية الدينية في المدينة وأكبرها.
احتفالات الفاطميين.. كسب ود العوام
لا تسير الأيام كلها في القاهرة الفاطمية على مسار واحد، بل ضمت عدد كبيرا من الاحتفالات الدينية التي كان الفاطميون يستغلونها ليظهروا رونق خلافتهم ويتقربوا إلى الناس ويظهروا ما يتحدث المقريزي بقوله: “كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعيادٌ ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه”. وتلك هي الاحتفالات الرئيسة التي كان الفاطميون يحيونها في المدينة.
كان الغرض هو إمالة الناس نحو السلطة الشيعية في القاهرة، وكسب ولائهم السياسي قبل الديني، والإحساس بالانتماء إليهم قبل أي شيء. حتى أنهم كانوا يوزعون عليهم الأموال في تلك الاحتفالات التي كانت تقام غالبا أمام القصر. حتى باتت الاحتفالات جزءا مهما من ثقافة مدينة القاهرة على مر العصور، حتى بعد انتهاء الخلافة الفاطمية ودورها في مصر.
تراكمات القاهرة
منذ أن أسس جوهر القاهرة لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي لم تركن إلى وضع ثابت، بل تغيرت وتبدلت من حين إلى آخر، حتى أنها فقدت وظيفتها الأساسية التي بنيت عليها في أول الأمر كمدينة ملكية تنطلق منها دعوة الإسماعيلية الشيعية، فلم تعد الشوارع التي أعدت لأن تكون ساحة لاحتفالات الخليفة الفاطمي على هذا الوضع، بل اشتملت على مبان ومنشآت أخرى غيرت من مضمونها الوظيفي وإليه وصلت القاهرة إلى هذا التعقيد.
إن الحديث عن القاهرة الفاطمية تحديدا يختلف عن الحديث عن القاهرة إجمالا، فالقاهرة الفاطمية هي كل ما دون الأسوار أو داخل الأسوار الأربعة التي تطوق القاهرة بأبوابها. وصحيح أن القاهرة فقدت جزءا ليس بالهين من أسوارها؛ لكن يمكن تحديد مسار القاهرة تحديدا دقيقا سهلا الآن.
“فصارت القاهرة مدينة سكنى بعدما كانت حصنا يعتقل به ودار خلافة يلتجأ إليها، فهانت بعد العز وابتزلت بعد الاحترام”. هكذا عبر المقريزي عن حال القاهرة عندما فتحت للسكنى في عهد صلاح الدين الأيوبي، الذي فتح أبوابها لدخول الناس وسكناهم واقتطاع أراض لهم، ولم يتوقف الحال عند هذا بل جرى استغلال المنشآت الفاطمية المختلفة بأن تبنى عليها مبانٍ أخرى في أزمنة متعددة. فلقد بني مكان القصر الغربي مجموعة المنصور قلاوون السلطان المملوكي الذي أسس لأسرته حكما طويلا في عصر سلاطين المماليك البحرية. وكانت مجموعة المنصور قلاوون التي تكونت من بيمارستان لعلاج المرضى، وقبة ضريحية على رأس الشارع، اشتملت على ضريح المنصور قلاوون نفسه، ومدرسة كذلك يذهب ريعها الخيري إلى ميزان السلطان بعد الموت كما كان يهدف. ثم أنشئت بجانب تلك المجموعة مدرسة وقبة ضريحية خاصة بابنه الناصر محمد بن قلاوون.
على الجانب الآخر في القصر الشرقي تم احتلاله من قبة نجم الدين أيوب ومدرسة بيبرس البندقداري وخانقاة بيبرس الجاشكنير وبعض المنشآت الأخرى. وكانت تلك المنشآت غير الفاطمية على منشآت فاطمية. والحق يقال إن القاهرة لم تتغير فيما بعد الفاطميين بل كان التدرج في عصر الفاطميين نفسه. وهو ما يعبر عنه ناصر خسرو في كتاباته عن كثرة المنشآت التي امتلأت بها القاهرة الفاطمية من حوانيت وبيوت وغيرها. أما الثابت وغير المتحرك الذي كان الخليفة يرعاه بنفسه هو المنشآت الدينية التي نشأت داخل القاهرة. مثل مسجد الأقمر الذي أقامه الآمر بأحكام الله الخليفة الفاطمي العاشر ابن المستعلي بالله وموقعه الرئيسي على القصبة العظمى.
كان للمماليك اليد العليا في القاهرة، فلقد أكثروا من منشآتهم الدينية والجنائزية فيها، ليعبروا عن فلسفتهم الحياتية في السلطة حتى سلمت للعثمانيين، لم يكن للعثمانيين منشآت سلطوية في القاهرة بنفس القدر الذي كان للمماليك، لكن الناس كثروا فيها، وكثرت فيها شؤونهم التجارية، حتى خرجت الطبقة الأرستقراطية منها وسكنت في أحياء خارجها. إلى أن جاء الخديوي إسماعيل وأمد خط العمران إلى قاهرته الجديدة التي أنشأها على النيل بنسق عمراني أكبر؛ يجعل من سريان الهواء والصحة العامة فيها أساسا لا غنى عنه في عمرانها.
المصادر والمراجع:
- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تقي الدين المقريزي.
- إتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الخلفا، تقي الدين المقريزي.
- القاهرة تاريخ حاضر، أندريه ريمون.
- القاهرة خططها وتطورها العمراني، أيمن فؤاد سيد.
- الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد، أيمن فؤاد سيد.
تعليقات علي هذا المقال