فزعت الأمة يوم 30 صفر 1444 هجرية الموافق 26 سبتمبر/أيلول 2022 على خبر وفاة الإمام يوسف القرضاوي، وهو الخبر الذي دفع مختلف مكونات الأمة العلمية والحركية والسياسية للتعزية فيه، وهو أمر يندر أن يحدث في أمة تنازعتها التقسيمات السياسية، والحدود الجغرافية، والتبعية للمدارس والمؤسسات والجماعات، وهو ما جعل الإجماع على شخصية علمية أو قيادة دينية أمرًا غاية في الصعوبة.
القرضاوي: مدرسة علمية متكاملة
يعتبر القرضاوي نموذجًا فريدًا في التاريخ المعاصر للأمة الإسلامية، حيث تميز بتأسيس مدرسة علمية متكاملة، وانطلق باجتهادات فقهية واكبت الاحتياجات المعاصرة، وامتد تأثيره إلى عموم الأمة الإسلامية في مختلف البلاد والثقافات واللغات، وذلك عبر مؤلفات علمية رصينة رسخت لمذهبه في الاجتهاد والنظر الشرعي، وعبر مؤسسات امتد تأثيرها ليشمل كافة النطاقات الجغرافية في العالم المعاصر، وهو ما يجعل القرضاوي ظاهرة فريدة تستحق الدراسة من مختلف الجوانب العلمية والحركية والدعوية.
لقد عرف عن القرضاوي الجدية والدأب في البحث العلمي، حيث لا تخطئ عين القارئ المتخصص إدراك عمق الطرح العلمي في مؤلفاته، مع جزالة الصياغة وسعة الاطلاع، وهو ما يمكن أن نعزوه إلى البنية العلمية القوية التي ترسخت في مرحلة التأسيس بالأزهر الشريف، ودعمتها ساعات العمل المكثفة التي دأب على الحفاظ عليها غالب أيام عمره الذي قارب المائة عام بالتاريخ الهجري، وبذلك يصبح كم التأليف الغزير للقرضاوي منطقيًا، خاصة أنه لم يكن من العلماء الذين يستعينون بمحررين للكتابة عنهم، بل كان حريصًا على أن يكون إنتاجه نابعًا من فكره ومدونًا بقلمه، وهو ما يمكن إدراكه بقراءة مؤلفاته المتقدمة والمتأخرة حيث تحمل عباراته نفس الروح وذات الأسلوب الذي يجمع بين الرصانة العلمية والجزالة الأدبية والعبارة السلسة الرائقة.
إن ما قام به القرضاوي لا يمكن حصره في مجرد جهد علمي بقي حبيس الكتب وأسير الأروقة الأكاديمية، ولا في مجهود دعوي اعتمد التأثير في قطاع واسع من الناس، بل هو خليط متجانس من العلم والدعوة، وبناء علمي متكامل الأركان واضح المعالم شكل تيارًا مؤثرًا في الواقع الإسلامي المعاصر لا يمكن إغفاله ولا تجاهله، لذا فالوصف الأدق لما أسسه القرضاوي هو “المدرسة” حيث تتكامل المواد وينظمها منهج واضح يتتلمذ عليه الطلاب والقراء.
يهدف الكاتب من خلال هذا المقال الموجز إلى استعراض معالم المدرسة العلمية للقرضاوي، ومحاولة استشراف مستقبل هذه المدرسة بعد وفاة الإمام، في محاولة لتعزيز الاستفادة من إرث القرضاوي الذي يعتبر إرثًا للأمة كلها ينبغي الحفاظ عليه والاستفادة به في مجالات البحث العلمي والتطبيق العملي.
عشرة معالم لمدرسة القرضاوي
تعتبر المدرسة العلمية للإمام القرضاوي فريدة من نوعها بمعايير العصر الحالي، حيث قل أن تجتمع هذه المعالم كلها في عالم واحد في زمننا، ويمكن تحديد أبرز معالم مدرسة القرضاوي في عدة نقاط على سبيل البيان لا الاستقصاء والحصر.
البناء على التراث دون تجاوزه أو التوقف عنده:
وهو خليط ليس بالسهل أن يجمعه عالم دون أن يميل إلى التمسك الشديد بنصوص التراث، وهو ما يقود إلى إعادة اجترار الإنتاج العلمي للعلماء السابقين دون مواكبة لاحتياجات العصر ومستجداته؛ أو أن يميل إلى إغفال الجهود العلمية الضخمة التي ورثتها أجيال متعاقبة من علماء الأمة، وهو ما يجنح بصاحبه إلى الزلل الناتج عن عدم إحكام الصنعة العلمية الضرورية في البحث الشرعي.
إن الإنتاج العلمي للقرضاوي منطلق من أسس علمية راسخة، دعمتها النشأة الأزهرية التي تستقي العلم من كتب التراث، وتحترم ميراث الأمة من علمائها وتعتني به؛ هذه الأسس المتينة منحت القرضاوي ميزة غرس أفكاره واجتهاداته في تربة خصبة من جهود علماء الأمة في مختلف المجالات الشرعية وخصوصًا الفقه وأصوله، فأثمرت اجتهادات فقهية وآراء علمية اتسمت بمواكبة العصر والتحرر من الجمود والحَرفية في التعامل مع التراث، دونما إخلال بالأسس العلمية الثابتة في كل علم من علوم الشرع، وهو ما يمكن صياغته في جملة “اتخاذ التراث منطلقًا إلى آفاق الاجتهاد وليس محطة توقف”.
الواقعية في الطرح العلمي:
تميزت المدرسة العلمية للقرضاوي بكونها لم تقتصر على الطرح الأكاديمي الجامد الذي يكرر ألفاظ السابقين ونظرياتهم كما هي دون ربط بالواقع، حيث يمكن اعتباره رائد مدرسة الفقه المعاصر، وذلك في تناوله للمسائل الفقهية التي تمس الواقع المعاصر، فعلى سبيل المثال نجد أنه على الرغم من وجود العديد من الكتب التي تناولت فقه الزكاة إلا إن كتابه في ذات الموضوع يعتبر مرجعًا يستفيد منه المبتدئ والمتقدم، ذلك؛ لأنه لم يقتصر على بيان المسائل الفقهية في قالبها المعتاد وألفاظها المعهودة فقط، ولكنه تجاوز ذلك ببيان أمثلة واقعية وتناول قضايا معاصرة في فقه الزكاة، وعلى ذلك جاءت مختلف كتبه الفقهية.
وتعتبر قضايا الاقتصاد الإسلامي أبرز مثال على ذلك، فاجتهاداته الفقهية تعتبر هي الأساس التي بنيت عليها البنوك الإسلامية انطلاقتها، كذلك تنظيره الفقهي للكثير من المعاملات المالية الضرورية يعتبر هو المرجع الأساسي في المعاملات المالية المعاصرة في المؤسسات المالية الإسلامية.
الاشتباك مع القضايا الحرجة:
من المعروف أن هناك مساحات لا يفضل العلماء ولوجها بالبحث أو التأليف إلا للضرورة، وذلك لما يترتب عليه من إشكاليات مع أنظمة الحكم أو جهات نافذة، ويزعم الكاتب أن هذا السبب هو الذي جعل السياسة الشرعية من العلوم التي لم يتصدر لها كثير من العلماء قياسًا ببقية أبواب الفقه كالطهارة على سبيل المثال.
وكذلك نجد أن كثيرًا من القضايا الحرجة التي تحتاج إلى فتاوى شرعية أو تأطير فكري لا ينفرد لها عدد كافٍ من العلماء نظرًا لتبعات التصدر في مثل هذه المسائل، ولعل اشتباك القرضاوي مع قضايا الأمة الشائكة على كافة المستويات يعد من أبرز معالم مدرسته العلمية.
على صعيد المسلمين في الدول غير المسلمة تناول العديد من القضايا التي تعتبر شائكة خاصة تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، وعلى الصعيد السياسي كانت فتاواه في الجهاد من أبرز أسباب منعه من دخول أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة، ولو أنه اقتصر على تناول القضايا المشهورة وابتعد عن الشائك منها لجنب نفسه الكثير من الهجوم والضغوط، ولكن العلم أمانة، وهكذا كانت مدرسته مشتبكة دائمًا مع هموم الأمة واحتياجاتها أيًا كان ثمن هذا الاشتباك.
التحرر من التبعية للأنظمة والتنظيمات:
لقد نشأ القرضاوي نشأة أزهرية كاملة، وتدرج في مراحل التعليم الأزهري وظل معتزًا بانتمائه للأزهر الشريف طول عمره، وهو ما يظهر في التزامه بارتداء الزي الأزهري في غالب المحافل والملتقيات، وفوق هذا فقد حظي بعضوية أعلى المؤسسات الأزهرية مكانة، فقد كان عضوًا بهيئة كبار العلماء، وعضوا بمجمع البحوث الإسلامية، وهي العضوية التي تخلى عنها عقب أحداث عام ٢٠١٣، فهو ابن الأزهر، وواحد من كبار علمائه، إن لم يكن أبرزهم وأكثرهم تأثيرًا.
كذلك هو أحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر معروف وتحدث عنه في مذكراته، ومن المهم هنا توضيح أن الفترة التي انضم فيها للإخوان المسلمين كانت حركة إسلامية عامة تضم نخبة المجتمع المصري، وقد تعرض للسجن عدة مرات بسبب انتمائه للإخوان، ورغم ابتعاده عن التنظيم إلا إنه ظل محل تقدير نادر من قادة الإخوان ومنتسبيهم، وهو ما جعلهم يعرضون عليه مرارًا وتكرارًا منصب المرشد العام، والذي اعتذر عن قبوله بشكل قاطع.
انطلق القرضاوي إلى دولة قطر بعد التضييق عليه في مصر، وكان من أعمدة تأسيس الدولة على الصعيد العلمي، فهو الذي أسس نواة جامعة قطر بإنشاء كلية التربية، وهو الذي استقطب كبار العلماء للتدريس في جامعتها، وهو الذي أطلق نهضة علمية وتربوية كبيرة فيها، كما جعلها منطلقًا للعديد من الأعمال العلمية والدعوية العالمية، وهو وضع أفادت منه دولة قطر واستفاد منه القرضاوي باعتبارها منطلقًا ومظلة دعم متينة لأنشطته الرائدة في مختلف المجالات.
هذه المحددات الثلاث لم تجعل من الشيخ أسيرًا لمؤسسة الأزهر أو جماعة الإخوان أو دولة قطر، حيث اختار الحرية والتحرك وفقًا لمنطلقاته ومعتقداته واجتهاده، بغض النظر عن مدى موافقة رأيه لجهة ما أو مخالفتها.
ووفقًا لهذه الزاوية من النظر، نجد أن الإمام القرضاوي تجاوز في تأثيره المؤسسات الضخمة مثل الأزهر الشريف، وتجاوز الحركات والتنظيمات مثل الإخوان، وتجاوز كونه مصريًا أو قطريًا، فالقرضاوي كان إمامًا بحق على الصعيد العلمي والدعوي والحركي، ولم يكن تابعًا لشخص أو تنظيم أو مؤسسة، وهو ما أوضحه الكاتب في مقال آخر.[1]
بناء المؤسسات وتشجيع العمل الجماعي:
تميز القرضاوي بأن جهوده لم تكن فردية، حيث حرص على تأسيس مختلف الهيئات والمؤسسات التي تحمل رسالة واضحة وتؤدي أدوارًا محددة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنه هو المؤسس والرئيس الأسبق للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهي المؤسسة التي عنيت بالبحث الشرعي المتعلق بقضايا المسلمين في أوروبا، كما أنه المؤسس والرئيس لجمعية البلاغ المؤسسة لموقع إسلام أون لاين، ذلك الموقع الذي كان نقلة نوعية في تقريب الإسلام والثقافة الإسلامية لأجيال من الشباب في مطلع الألفية الثالثة، كما أنه المؤسس والرئيس الأول للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تلك الهيئة العلمية المستقلة التي جمعت مختلف العلماء والدعاة تحت مظلة واحدة تهدف إلى جمع الجهود وتعزيز التواصل بين العلماء متجاوزة في ذلك الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية.
ومما تميز به القرضاوي أن هذه المؤسسات لم تكن باسمه الخاص، ولم يستمر في قيادتها ورئاستها طول الوقت، بل أنه يؤسس ويدعم ويجمع الجهود والموارد، حتى إذا قوي المشروع واستوى على سوقه فإنه يترك للقائمين عليه أن ينتخبوا منهم من يتحملون أمانة هذا المشروع، وهو مستوى عالٍ من التجرد وإنكار الذات والتركيز على الهدف الأكبر وهو خدمة الإسلام والمسلمين.
المراجعة المستمرة للاجتهاد:
لم يتصف القرضاوي يومًا بالتحجر الفكري أو التبرير لرأيه فقط لأجل الانتصار، ولكنه كان دائم المراجعة لآرائه وأفكاره، وكان يؤكد باستمرار على أن آراءه هي اجتهادات علمية قابلة للمراجعة، ولعل أبرز مثال على ذلك ما قام به اتحاد علماء المسلمين أثناء حياة الإمام القرضاوي بمراجعة فتواه القائلة بحرمة زيارة المسجد الأقصى لغير الفلسطينيين، وهو ما سبقه مراجعات دائمة من الإمام لمختلف القضايا التي أفتى بها أثناء حياته الطويلة المباركة التي امتلأت بالجهد الفقهي والفتاوى التي تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال.
تحمل المسئولية عن قضايا الأمة:
من آفات الأمة اليوم؛ أننا نعتني بالقضايا المشهورة ولا نولي اهتماما بالقضايا التي لا تطفو على السطح، أضف إلى ذلك أن كثيرا من العلماء يشعرون أن مهمتهم علمية فقط دون غيرها من المهام، والبعض يعتقد أن دوره منحصر في البلد التي ولد فيها أو حط فيها رحاله، لكن القرضاوي تميز بتحمله المسئولية عن الأمة كلها، فهو الذي انطلق ليعرف المسلمين بقضايا الأقليات التي لم تكن مشهورة وقت حديثه عنها، حيث نجد قضايا مسلمي تركستان الشرقية (الإيجور) وأراكان (بورما) ومسلمي تايلاند وغيرها من القضايا حاضرة في مقالاته وشعره ومحاضراته وذلك في وقت مبكر وسابق على غيره.
ولعل نظرته العامة للأمة ورحلاته المكثفة لمختلف دول العالم ساعدته في معرفة مختلف هذه القضايا، التي تحمل مسئولية التعريف بها والعمل لدعم المسلمين في تلك البلاد، وهو أمر تميزت به مدرسته التي لم تقتصر على العلم دون العمل، ولم تتخلف عن دور العلماء في نصر قضايا الأمة.
التنوع في مجالات التأليف وموضوعاته:
لقد ألف القرضاوي في مختلف أبواب العلم، وأعماله الكاملة ستصدر قريبًا في أكثر من مائة مجلد، وهو إنتاج يتميز بالجودة العلمية، التي يعتبر افتقادها أحد السمات المنتشرة في مؤلفات العصر الحديث، كما أنه لم يعتمد على باحثين يكتبون عنه كما هو حال عدد من المشايخ خاصة غزيري التأليف، بل كان يكتب بنفسه وينقح المسائل ويراجعها، والمطلع على كتبه يمكنه أن يدرك أن كل كلمة هي وليدة ذات القلم والفكر.
بناء تيار وليس تنظيم:
لم يكن القرضاوي مولعًا ببناء التنظيمات ودوائر الولاء، بل أسس تيارًا يكون فيه كل إنسان حرًا منطلقًا من فكره ورأيه، فيمكنه أن ينهل من علم القرضاوي وأن ينتسب إلى المؤسسات التي أسسها، ويمكنه أن يخالف رأيه طالما لم يخرج عن ثوابت الدين، وهو أمر تميز فيه عن التنظيمات الإسلامية السياسية التي قدست التنظيم أو التيارات السلفية والصوفية التي قدست الشيخ، ولعل مؤتمرات تلاميذ القرضاوي شاهدة على ذلك، حيث جمعت أطيافًا متنوعة ممن اختاروا الانتساب إلى مدرسة الشيخ، على مختلف تخصصاتهم ومشاربهم العلمية والحركية وتوجهاتهم واهتماماتهم.
ماذا بعد وفاة القرضاوي؟
يعتبر القرضاوي إمام العصر بامتياز، سواء على صعيد الإنتاج العلمي الغزير المتميز بالجدة والرصانة، أو على صعيد الحركة والدعوة والعمل، وهنا تبرز أسئلة المآلات: ماذا بعد وفاة القرضاوي؟ ما هو المستقبل الذي ينتظر إرث الشيخ في العلم والحركة؟
لقد اعتنى الإمام القرضاوي بأعماله العلمية فجمعها ونقحها، وعمل على مراجعتها وإصدار أعماله الكاملة التي أشرف على مراحل إعدادها بنفسه وتوفي عقب دفعها للطباعة، وهو من توفيق الله أن استبقاه إلى حين إتمام هذه المهمة، وقد شكلت جهود القرضاوي العلمية جانبًا كبيرًا من واقع الأمة المعاصر ولا يمكن تجاوزها بحال أو بآخر، خاصة أن الجمهور المستهدف من كتب الشيخ لم يقتصر على المتخصصين أو عموم القراء، بل تنوع ليشمل كل أطياف الأمة، وهو ما يبشر بامتداد التأثير العلمي لمؤلفات الشيخ وفكره وبحثه الفقهي الذي يعتبر مدرسة فرضت نفسها في واقع الأمة رغم العوائق التي وضعت أمامها.
يعتقد الكاتب أن تبقى مؤلفات الإمام حاضرة في البحث العلمي باعتبارها مراجع معتبرة في البحوث والدراسات، كما يتوقع خروج العديد من البحوث والدراسات والرسائل الأكاديمية لتنضم إلى الكتابات التي تناولت آراء الشيخ واجتهاداته بالبحث والدراسة.
كما أن الإمام يعتبر علامة تاريخية واسما مضيئا في تاريخ الأمة، وهو ما سيدفع العديد من الباحثين والعلماء إلى تأكيد انتسابهم له لإضفاء شرعية أو اكتساب ثقل لأسمائهم وأعمالهم التي لا يتوقع أن ترتقي بسهولة إلى مستوى البحث العلمي الذي كان عليه الشيخ، وهو ما ينبغي أن يقابله المجتمع العلمي بالحذر الشديد حتى لا يتخذ أحد من صفة التلمذة على الشيخ ستارا يستر به ضعفه العلمي أو ينسب به إلى مدرسة الشيخ ما لا يليق بها.
والحق أن الشيخ كان كريمًا مع من كتب عنه، وكثيرا ما زكّي الشباب من الباحثين والعلماء، لكن هذا لا يعني وجود تلمذة علمية طويلة مستمرة تقتضي توريث العلم والمنهج والإجازة به، فانشغال الشيخ في غالب سنوات عمره بهموم الأمة وكثرة أسفاره من ناحية، وانكبابه على البحث والقراءة اليومية التي كان يقضي فيها ساعات طوال من ناحية أخرى، جعلت من الصعب أن يدعي أحد أنه الوريث الأول أو الأوحد لعلم القرضاوي، حيث ورث الإمام علمه للأمة كلها، وهو ما يلقي على عاتق تلاميذه ومحبيه أمانة نشر علمه وفكره والعمل على استبقاء جذوة الصحوة التي أطلقها القرضاوي مشتعلة في أرجاء الأمة.
وأخيرًا ما يتعلق بالمؤسسات التي أسسها الإمام، ينظر الكاتب إلى مستقبلها نظرة لا تتسم بالتفاؤل، فهناك العديد من المؤسسات خبا ضوؤها بعد أن ابتعد الشيخ عنها، مثل موقع إسلام أون لاين، وهناك مؤسسات لم ينجح القائمون عليها في استبقاء الروح التي بثها الشيخ فيها عند الانطلاق فواجهت العديد من الصعوبات، ومثل هذه المؤسسات يخشى عليها أن تصبح في المستقبل القريب أسماء دون مضامين.
لقد كان القرضاوي إمامًا بحق في العلم والفكر والحركة، ومصاب الأمة شديد في وفاته، فلقد كان حجة على العلماء في العلم والدعوة والحركة، أسأل الله أن يخلف الأمة في مصابها وأن يهيئ لها أمر رشد وصلاح.
المصادر
[1] الإمام يوسف القرضاوي.. كيف تجاوز تأثيره المؤسسات الرسمية والحركات السياسية؟ إسلام هلال، موقع عربي بوست.
تعليقات علي هذا المقال